•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الأحد، 9 ديسمبر 2012

Lawless

كتب : عماد العذري

بطولة : شيا ليبوف ، توم هاردي ، جيسيكا تشاستين
إخراج : جون هيلكوت

منذ أن أطلق أول أعماله The Proposition قبل سبعة أعوام ، استطاع الاسترالي جون هيلكوت أن يجد لنفسه مكانةً مهمةً في هوليوود على الرغم من أن عمله الأول كان بعيداً تماماً عن النمط الذي تحتفي به هوليوود عادةً ، مع ذلك لم يخيّب الرجل الآمال عندما تصدى بعد ذلك بأربعة أعوام لرائعة الروائي الأميركي الكبير كورماك مكارثي The Road الذي حظي اقتباسه لها بحفاوةٍ نقديةٍ واضحة ، عمله الجديد استقبل بشكلٍ جيدٍ في كان هذا العام و ان لم يتمكن في مجمله من لفت العدد الكافي من الأنظار التي كانت بانتظار فيلمٍ مرتقب من جون هيلكوت .

في Lawless يحكي نص السيناريست نك كيف قصة ثلاثة اخوة من عائلة بوندرانت ، هوارد و فوريست و جاك ، يعيشون في فرجينيا الثلاثينيات من القرن الماضي و يكسبون رزقهم من تجارة الخمور الرائجة بسبب أمثالهم في ذروة حقبة حظر الخمور بين الحربين العالميتين ، الأشقاء الثلاثة هم ملوك المهنة في منطقتهم بفضل قيادة الشقيق الأوسط فوريست الذي عاد من الحرب العالمية الأولى بأسطورة أنه لا يموت !! ، لكن فوريست و شقيقيه سيكونون بحاجةٍ لما هو أفضل من تلك الأسطورة لمواجهة الفترة القادمة من حياتهم عندما يحوّل مفوّض الشرطة المكلّف حديثاً في المنطقة تشارلي ريكز حياتهم إلى جحيم ، مرسلاً أيام النعيم التي عاشوها إلى حيث لا رجعة .

النقطة التي دائماً ما تثيرني في الأفلام التي تتناول حقبة منع الكحوليات في الولايات المتحدة ثلاثينيات القرن الماضي تكمن في أنها أفلامٌ تعيش في الذاكرة مهما كان مستوى جودتها ، تبدو الحقبة بحد ذاتها فاتنةً على الشاشة الكبيرة ، صراع الخير و الشر ، المهربين و المحققين الفيدراليين ، المطاردات و العنف ، صورة الحلم الأميركي ، قواسم مشتركةٌ فيها جميعاً على اختلاف قيمتها ، عندما أتذكر أفلام The Untouchables و Road to Perdition و Little Caesar و Public Enemies و Miller’s Crossing و Last Man Standing و Bonnie and Clyde و الأهم Once Upon a Time in America أجد أنها على اختلاف مستوياتها عالقةٌ في الذاكرة و هذا ملفت ، فيلم جون هيلكوت الجديد لا يشذ عنها ، هو بالرغم من مشاكله يبقى واحداً من الأعمال التي تبقى في البال عندما يعلن عام 2012 رحيله أواخر الشهر ، و الصورة التي يقدمها للحقبة لا تقل في قيمتها و أهميتها عن تلك الصور المهمة التي قدمها أسلافه ، ربما لأن مشكلته الحقيقية لا تكمن في الصورة التي يقدمها للحقبة و التي هي براقة و جميلةٌ و تستحق الثناء .

مشكلة العمل في الواقع تكمن في النص الذي كتبه السيناريست نك كيف اقتباساً عن كتاب لأحد أحفاد الأخوة بوندرانت ، النص يتناول حبكةً رئيسيةً تحوم حولها حبكتان ثانويتان أو ثلاث ، مشكلته و هو يقوم بتأسيس كل هذا أنه لا ينجح في خلق ترابط قوي و حقيقي بين كل ما يجري بالرغم من منطقيته و قوته ، حبكته الرئيسية التي تتضمن الصراع بين الإخوة بوندرانت و المحقق تشارلي ريكز تتمحور حول الأسطورة التي نشأ عليها فوريست بوندرانت ، المقاتل الذي لا يموت ، أمرٌ يبدو مضحكاً لتشارلي ريكز و هو سيعمل جاهداً على تحطيم تلك الأسطورة ، لا يبذل النص الكثير ليثبت لنا أساساً منبع تلك الأسطورة ، قيمة شخصية فوريست ضمن ما تقوم به ، و توم هاردي يبذل كل ما بوسعه ليصبح العمق الوحيد للشخصية التي تقنعك بقيمتها بفعل وجود توم هاردي في الدور و ليس بفعل الورق المكتوب لها ، الفيلم يطارد الأسطورة التي يستهدفها تشارلي ريكز أكثر من عمله على منح عمقٍ حقيقيٍ لشخصياته ، يبدو و كأنما هو يقتنع فعلاً بأن شخصيته لا تموت ، و عندما يزعجك رؤية توم هاردي يتجول في المشاهد هنا و هناك بشخصيةٍ خاليةٍ من الروح عليك أن تدرك بأن الرجل يبذل قصارى جهده ليمنح قيمة للدور الذي يقوم به ، توم هاردي ينجح إلى حدٍ بعيد في منح شخصية فوريست مذاق اسطورة الرجل الذي لا يموت ، فيبدو ساخطاً و متمرداً و متجهماً طوال الوقت بالرغم من شعورٍ لا يخطئ بأنه يفتعل في بعض منعطفات الشخصية ، و بالمجمل تتوه شخصية فوريست المحورية في النص إلى حدٍ ما بين حقيقيتها و قيمتها ضمن البيئة و الوضع الذي تعيشه و بين الأسطورة التي تحوم حولها ، و قليلٌ من الغبار الإنساني من نص نك كيف كان من الممكن أن يفيدها كثيراً.

و مع أن هذه الجزئية لا تبدو واضحةً سوى بالغوص العميق في مقومات الشخصية إلا أنه تصبح أوضح مع شخصية خصمه السادي تشارلي ريكز ، شخصية تشارلي ريكز شخصيةٌ صعبةٌ بالفعل ، هي ذات مرجعيةٍ قانونيةٍ من جهة ، و هي فاسدةٌ جداً من جهة ، و مجنونةٌ جداً من جهةٍ أخرى إلى الدرجة التي يتخطى جنونها مستوى فسادها و سطوة مصالحها ، و غاي بيرس الذي قام ببطولة أفلام جون هيلكوت الثلاثة يقوم بدورٍ مماثل لدور توم هاردي ، هو يحاول جاهداً منح روحٍ و معنى و عمق لشخصيةٍ يصر النص على ابقاءها بعيدةً عن ذلك ، لكنها لا تنجو من مأزق النص كما تفعل شخصية فوريست ، إذ سرعان ما تصبح مع تقدم الأحداث شخصيةً غير مفهومة ، لغزٌ غير متضح الملامح سواءاً على مستوى ساديتها أو على مستوى رغباتها و مصالحها ، أو على مستوى علاقتها بالشرطة و طريقة تعاطيها مع الشرطة و تعاطي الشرطة معها في مرحلة الذروة و الذي يبدو غريباً و مضحكاً ، النص لا ينجو بفعلته هنا بالرغم من الجهود المقدرة من توم هاردي و غاي بيرس .

مع ذلك تفلت شخصية جاك بوندرانت من هذا ، و تقدّم لنا أعمق من نظيرتيها ، بانكسارها ، و رغباتها المكبوتة أمام شقيقين صارمين ، و بانبهارها بمجرمٍ شهير يدعى فلويد بانر ( يؤديه غاري أولدمان ) ، و بصداقتها مع فتى طيب القلب يدعى كريكيت بيت ، و بالعاطفة التي تضربها تجاه بيرثا مينيكس ابنة قس البلدة ( تؤديها ميا فاشيكوسكا ) ، جاك من هذا المنظور هو روح هذا النص و شخصيته المحور و شيا ليبوف يجتهد كثيراً في هذا الدور المختلف و الذي هو اضافةٌ مهمةٌ لمسيرة نجمٍ صاعد ، و مع ذلك لا ينجح النص تماماً في جعله محوراً حقيقياً و يخطئ الى حدٍ ما عندما يبتعد عن الحبكة الرئيسية لصناعة عمقٍ من خلال الحبكات الثانوية التي لا تخدمه في أي شيء ، و عندما ترتد إلى الوراء لمشاهدة الصورة كاملة في المشاهدة الثانية أو الثالثة ربما ، قد يثيرك ان تجد أن شخصيات العمل جميعها ليست شخصياتٍ عميقة بالطريقة التي ترضي عملاً كهذا ، مشكلة هذا النص برأيي أنه نصٌ قنوع ، هو يمتلك نظرياً المادة الملائمة ليصبح واحداً من كلاسيكات الصنف ، الحبكة ، و جاذبية القصة ، و المكان ، و الحقبة ، و الشخصيات النمطية لتلك الحقبة ، إضافةً لمخرجٍ متمكن ، و طاقمٍ ممتاز ، لكنه لا يعمل كثيراً على جعل القصة تعيش من خلال الشخصيات الثلاثة الرئيسية التي تدير الصراع هنا ، يبدو نصاً كسولاً بحق على هذا المستوى ، و حتى تلك الأفلام التي تناولت حظر الكحوليات و لم تتجاوزه في قيمته الفنية مثل Public Enemies اجتهدت نصوصها كثيراً لتمنح شخصياتها العمق المطلوب لصنع كلاسيكيةٍ للصنف ، لكن هذا لا يحدث هنا ، لا على مستوى الأفعال ، و لا حتى على مستوى النوايا .

في العمق العام للنص يبدو تاغ لاين الفيلم معبراً عن النوايا ، ( عندما يفسد القانون ، يُصبح المجرمون أبطالاً ) ، عمل النص الحقيقي يتركز هنا ، يتناول النص مسألة نسبية الشر : هل الشر مطلق ؟ و هل هناك شرٌ مطلق على وجه الأرض ؟ أم أن قيمة الشر تتعلق بمقدار و نوعية القوة التي تواجهه ؟ فيكون شراً عندما يواجه الخير ، و يصبح خيراً عندما يواجه ما هو أشدٌّ منه شراً ، تشارلي ريكز يقدم إلى المنطقة بمخططٍ جديدٍ يتنافى و أبسط أخلاقيات مهنته ، هو مقتنعٌ بأن مسألة تهريب الكحوليات ستستمر إلى أن يتم إيجاد حلٍ لقانون الحظر ، لذلك هو لا يمنع نفسه عن استغلال تلك الحقبة في الحصول على المقابل المادي من المهربين نظير سماحه لهم بممارسة عملهم اللا قانوني ، فساده هذا يترجمُ بقسوةٍ و ساديةٍ تجعلها أكثر خطراً من المهربين أنفسهم ، اللذين سرعان ما يتحولون إلى أبطالٍ يقاتلون لردع ريكز و أمثاله ، قيمة هذا العمق جيدة ، و هي كافية للمرور بالفيلم أبعد من أن يكون مجرد فيلمٍ جريمةٍ مع بعض المشاهد الذروية ، لكنها مع ذلك لا تصل تماماً بالصورة المطلوبة ، و تتوه بفعل افتقار شخصيتي فوريست و ريكز للعمق المطلوب و للروح الحقيقية فتسلب هذه القيمة عن نسبية الشر جزءاً من أهميتها و بريقها في عيني المشاهد ، لذلك تصبح مواجهة الذروة عند الجسر هزليةً جداً و مسرحيةً جداً و لا توفق تماماً في تجسيد مواجهة الشرير و الأكثر شراً كصورةٍ مترجمةٍ للصراع التقليدي بين الشرير و الخيّر .

على الجانب الآخر ينجح جون هيلكوت برأيي في التغلب على عثرات النص ليصنع دراما مهمة تشكل اضافةً لأفلام تلك الحقبة ، و يوفّق تماماً في صنع جوٍ من الرهبة و انعدام الأمان الذي كان سائداً في تلك الحقبة ، تشعر إلى حدٍ ما بأنك تشاهد فيلم كوبوي تم تصويره في فرجينيا الثلاثينيات ، و المثير أكثر في جون هيلكوت أنه يصنع هذه الرهبة من خلال صورةٍ جميلةٍ لتلك الفترة ، يخدمه في ذلك دون شك الإخراج الفني الممتاز للفيلم و الذي يبدو برأيي أكثر حقيقيةً من كثيرٍ من الأفلام التي تناولت فترة حظر الكحوليات ، و تصويره الفاتن للمنازل و الحانات و الكنائس و الشوارع و المتاجر يغني الخلفية البصرية و يرمم إلى حدٍ ما عوز النص في خلق خلفيةٍ اقتصاديةٍ و اخلاقيةٍ و بيئيةٍ مكتملة الملامح عندما تقارنه حتى بأقل أفلام الحقبة مستوى .

قيمة جون هيلكوت لا تتوقف فقط عند تهيئة البيئة و رسم خلفية الأحداث بصرياً ، و لا تتوقف عند مستوى الإيقاع الممتاز الذي يحافظ عليه طوال أحداث الفيلم بالرغم من ثغرات النص صانعاً عملاً ممتعاً بالفعل في معظم مراحله ، و انما تبلغ قوتها و تأثيرها من خلال ادارتها الممتازة لطاقم ممثليه ، توم هاردي و غاي بيرس و شيا ليبوف و غاري أولدمان و ميا فاشيكوسكا ، و على الأخص جيسيكا تشاستين التي تقدم أفضل أداءات الفيلم ، جيسيكا التي تلعب هنا دور ماغي بيفورد الراقصة القادمة من شيكاغو لتدير حانة الإخوة بوندرانت في فرجينيا كواجهةٍ لأعمال الثلاثي غير المشروعة ، جيسيكا فاتنةٌ في دور ماغي ، تسرق كل مشهدٍ تظهر فيه بالرغم من محدودية دورها ، و تفرض وجودها في دورٍ لا يحتمل أي وجود ، و لو سارت أمورهما على ما يرام خلال السنوات القليلة المقبلة فأعتقد أن ثنائية توم هاردي و جيسكيا تشاستين في هذا الفيلم ستصبح ربما أجمل ما فيه مع مرور الزمن ، بالنظر للجاذبية العالية التي اكتسبها الممثلان الشابان خلال السنوات القليلة الماضية ، الجميع في هوليوود لا يمل من الحديث عنهما ، لهما العمر ذاته ، و جاءا متأخرين في هوليوود على عكس العادة ، و حظيا بسلسلةٍ مهمةٍ و متتاليةٍ من الأدوار الناجحة ، توم هاردي بعد أدواره في Bronson و Inception و Warrior و Tinker Tailor Soldier Spy ، و جيسيكا تشاستين بعد عامٍ حافلٍ كانت نجمته الأولى دون منازع من خلال أفلام The Debt و Coriolanus و Take Shelter و The Tree of Life ختمته بترشيحٍ للأوسكار في The Help ، كل هذا البريق سيجعل مع مرور الزمن صورتهما في الفيلم شيئاً من أجمل ما فيه ، بالنتيجة جون هيلكوت يبلي بلاءاً حسناً في فيلمه الثالث أيضاً .

التقييم من 10 : 7



0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters