•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الجمعة، 18 ديسمبر 2009

Drag me to Hell

كتب : عماد العذري 

بطولة : أليسون لومان , جاستن لونغ , لورنا ريفر 
إخراج : سام ريمي
 
كريستي براون موظفةٌ طموحةً في بنك عقاري تعيش مسيرةً مهنيةً متوسطة يعوضها إلى حدٍ كبير الحنان والإهتمام الذي يغمرها به خطيبها كلاي ، لكن ترقيةً جديدةً في وظيفتها هذه ستعني لها الكثير. الوسيلة الوحيدة للحصول على ترقيةٍ كتلك هو إظهار جدية حقيقية في العمل ولفت أنظار رئيسها في البنك نحو تفانيها وإخلاصها ، خصوصاً مع وجود زميل من أصولٍ آسيوية ينافسها على هذه الترقية. وعندما تظهر عجوزٌ غجرية بعينٍ عمياء وأظافر جذامية لتستجدي كريستي من أجل تمديد مدة القرض المفروض على منزلها لعجزها عن سداده في الوقت الراهن ، تجد كريستي الأمر فرصةً سانحةً لإظهار قوة شخصيتها في العمل أمام مديرها ، فترفض تمديد المدة وتطلب من أمن البنك إخراج العجوز ، غير مدركةٍ أن هذه الغجرية سترسل عليها لعنة الشيطانة لميا التي ستعذبها لثلاثة أيام ، قبل أن تسحبها – حرفياً – نحو الجحيم ! 

العمل الأحدث للمخرج سام ريمي يعود به إلى البدايات عندما أثار ابن الحادية والعشرين اعجاب عشاق أفلام الرعب بفيلمه الذي تحوّل إلى ثلاثيةٍ بعد ذلك Evil Dead. فيلمه الجديد يأتي بعدما حقق الرجل لنفسه سمعةً حسنةً كمخرجٍ مهم بفضل أفلامٍ حققت نجاحاتٍ لافتة ، ابتداءًا عند Army of Darkness مروراً بـ A Simple Plan وصولاً إلى ثلاثية Spider Man. يبدو سام ريمي هنا تحديداً في أكثر حالاته السينمائية خصوصية و في أكثر لحظاتها الشخصية إستمتاعاً ، وكأنما هي إستراحة محارب بعد العائدات الضخمة التي حققتها ثلاثية الكوميكس التي قدمها. لكن هذه الإستراحة التي كتبها مع شقيقه الطبيب إيفان ريمي - شريكه في سلسلة Evil Dead - وإفتتحها في مهرجان كان السينمائي الدولي تبدو الآن بحد ذاتها واحدة من أفضل أفلامه . إذا أردت الآن أن تقدّم سام ريمي لمن لا يعرفه ، فاطلب منه مشاهدة هذا الفيلم ! 

يتبنى هذا الفيلم معالمه وخطوطه العريضة باكراً جداً ، و يُريك منذ إستهلاله - وبشكلٍ دقيق – نوعية الحدود التي سيكسرها وتلك التي سيقف أمامها من خلال مجموعةٍ من الصدمات الموقوتة شديدة التقليدية لكنها بارعة التوقيت بفضل عمل محترم من بوب مورافسكي المونتير الأثير لدى سام ريمي. والتوقيت – في أفلام الرعب أكثر من أي صنفٍ آخر – مهمٌ جداً وهو أساساً ما يجعل لهذه الصدمة قيمةً ، خصوصاً عندما يُبنى خيال الحدّوتة على حدودٍ مترامية و عالمٍ إفتراضيٍ واسع. في هذا الفيلم شخصيات حقيقية تعيش أحداثاً لا يمكن أن نصفها بالحقيقية لكننا نجاريها ونستمر بالإستمتاع بها وفق الواقع الافتراضي الذي تقدمه ونتسمر في أمكاننا مع كل صدمةٍ جديدةٍ يرسلها لنا سام ريمي ، وفي الواقع هذه هي بصمة سام ريمي التقليدية . الصدمات التقليدية تبدو فناً مستقلاً لدى سام ريمي ! يتعمد سام ريمي في فيلمه هذا أن يعرض - فجأةً ودون سابق إنذار - تتالياً من مشاهد صادمةٍ تشعر في داخلك بأنك شاهدت أشياءً مماثلةً لها من قبل ، وهنا ربما يكمن الفارق. من ناحية ، يبدو سام ريمي وكأنما يحيي سينما الرعب على طريقته الخاصة من خلال هذه الصدمات التي إستلهمها من جورج روميرو و ويليام فريديكن و رومان بولانسكي وحتى من أفلام الرعب التي صنعها في بداياته ، لكنه من ناحيةٍ أخرى يصنع من خلالها إثارةً حقيقية قد تتعارض وتقليدية الرعب الذي يقدمه في مشاهد من قبيل : هجوم الغجرية في المرءآب ، والفتيش ، وطرد الأرواح ، وقطعة الكعك التي تحتوي مقلة عين ، أو الذبابة التي تخرج من الجوف ، أو القبر المفتوح في المطر ، أو الحيوان المذبوح ، أو حتى سوائل الجسم المقرفة التي تتدفق من حينٍ لآخر ! سام ريمي يصنع كوكتيلاً غريباً من تيماتٍ عديدة لطالما أثارت عشاق أفلام الرعب قد تحتاج معها لأن تكون عاشقاً حقيقياً لأفلام الرعب كي تقدرها وتقدّر الفيلم. 

برأيي الشخصي يبقى أهم شيء في أي فيلم رعب هو الشعور الذي يتشكل عنه. في أفلام الرعب بالذات ليس مهماً المنطق الذي يحكم الحبكة ، أو حقيقية الشخصيات ، أو إقناع السرد. ما يهم في هذا الصنف - أكثر من أي صنفٍ آخر - هي الإحاسيس التي تُسيطر أثناء المشاهدة. منذ البداية يوجّهنا سام ريمي - وينجح إلى حدٍ بعيد - إلى نوعية الرعب الذي يقدمه وحس الكوميديا التي سيطعم بها تقدّم الأحداث. مشهد كابوس غرفة النوم في بدايات الفيلم يلعب دور المشهد التعريفي برعب الفيلم ويرسم - إلى حدٍ ما - صورةً جلية للمزيج الكوميدي المرعب الذي سنشاهده أو (الرعب المرح) الذي نحن بصدده ، و لا عجب أن ينال الفيلم تصنيف PG-13 على الرغم من كونه - تصنيفياً - فيلم رعب. تبدو حدود التحدي في العمل الإخراجي لسام ريمي كامنةً في التناغم العجيب الذي يخلقه بين الرعب والكوميديا ، على الرغم من أنه يفقد السيطرة عليه أحياناً ربما بدافع من عادة عوّدنا عليها سام ريمي في عدم الإكتراث ما إذا كنا سنضحك أو سنصاب بالرعب أثناء مشاهدة أفلامه ! من هذا التناغم تحديداً يأتي ذلك الإحساس الصريح بأن هذا الفيلم أقل ساديةً من معظم أفلام الرعب التي تقدم اليوم حيث شاعت أفلام التقطيع والقتلة المهووسين ، ومشاهدة فيلم رعبٍ كامل دون مشاهد دماء يبدو أمراً غير مألوفٍ في سينما الألفية ! سام ريمي يعتمد على الأحاسيس التي سنولدها عند مشاهدتنا للتيمات التقليدية التي يُصر على أن تكون أساس فيلمه. تيمات من قبيل : الشرير بشع دائماً والبطل هو إنسان لطيف ومهذب ، اللجوء دائماً للمساعدة عندما يكون الوقت قد فات ، الجثث التي تتقيأ ، والحيوانات التي تتعرض للقسوة ، الذهاب لحفر القبور أثناء عاصفةٍ مطرية عادةٌ غير حميدة ! تيمات لطالما قدمتها السينما لكنها تجد لها ترويضاً كوميدياً مقدراً مع سام ريمي. هناك شعور بالإستمتاع يرافق مشاهدتنا لهذا الفيلم. يستمتع سام ريمي – كما تستمتع الشيطانة لميا – بتعذيب كريستي براون . سام ريمي يبدو مستمتعاً ومخلصاً أيضاً للـ B-Movies أكثر مما فعل مع أفلام الـ Blockbusters التي حققها مؤخراً . يعود الرجل إلى الـ B-Movies التي صنعت شهرته مطلع الثمانينيات ويستمد منها نوعاً من القوة والدفع ليعيد تقديمها في صورة Blockbusters. ملامح هذا الدفع تبدو واضحةً منذ المشهد الأول حيث نشاهد فشل عملية تخليص أرواحٍ يؤدي لموت الطفل الملعون بينما تقسم مخلصته – على الطريقة الكلاسيكية للـ B-Movies – على الإنتقام من شيطانته ! يستخدم سام ريمي أيضاً الـ Foreshadowing على لسان المخلِّص عندما يخبر كريستي بما سيحدث لها نتيجةً لهذه اللعنة وهو تكنيكٌ لطالما استخدمته الـ B-Movies ، خصوصاً أفلام الرعب منها. ريمي يعرض شروطه الخاصة للتلقي لدى المشاهد : لا تنتظر قصةً هنا ، إنتظر متواليةً من الأحداث المثيرة تُبقيك متوثباً حتى آخر لحظة ، وربما هنا يكمن سحر افلامه ! 

ما يطرحه الفيلم في عمق شخصياته بسيط ومباشر ويصل للمشاهد دون أي تعقيدات : ظهور الشخص على غير حقيقته دائماً ما يكون له عواقب وخيمة ! كريستي براون الفتاة الرقيقة والمتعاطفة والحنونة حاولت مرةً واحدة أن تبدو على غير ماهي عليه في سبيل ترقية ستنالها في البنك الذي تعمل فيه. ظهورها بوجهٍ آخر في مواجهة عجوزٍ غجرية أدى إلى صراع بقاء خاضته وخسرته. بالرغم من ذلك، لا يحاول سام ريمي أن يقدم أكثر من مجرد فيلمٍ ترفيهي ويصر - مع تقدم الحدث - على أن الترفيه هو غايته الأساسية محترماً جمهوره في هذا الخصوص ، حتى وهو يعرض – بشكلٍ أو بآخر - للنفاق الأخلاقي الموجود لدى شخصياته . 

يصر سام ريمي أيضاً على إبقاء حدود التأثير الذي يمارسه الرعب عائمة ، تاركاً المتلقي ضمن ذات الحيرة التي تصيب كلاي خطيب كريستي : هل ما يحدث لكريستي حقيقي ؟ وهل ما تشاهده كريستي ، تشاهده لوحدها ؟ وهي نتيجةٌ ليس من السهل تحقيقها وتُنسبُ لعمل سام ريمي الإخراجي مهما كانت مكتوبةً بشكلٍ جيدٍ على الورق. إختياره - مثلاً - للورنا ريفر للعب دور الغجرية العجوز ضربة معلم ! ريفر تنشر رعباً حقيقياً يذكرنا بأفلام سام ريمي القديمة. إختياره - بالمقابل - لأليسون لومان للعب دور كريستي براون يبدو مثالياً أيضاً , فهي (شقراء هيتشكوكية) : جميلة وهشة وقابلة للمعاناة وفي الوقت ذاته غير قابلة للإستسلام ! مع ذلك ، من الصعب تجاهل الكيمياء الفقيرة بين أليسون لومان و جاستن لونغ والتي احتاجتها هذه الثنائية. يروّض سام ريمي أيضاً الموسيقى والمؤثرات لخلق بيئة مثالية لـ B-Movie قائمةٍ - كالعادة - على خلق شعورٍ كافٍ بالإنزعاج والتوتر مع تصاعد الأحداث كركنٍ أساسي - وليس ثانوي - في بناء الحدث وتطوّر الشخصيات. في أحد المشاهد على سبيل المثال تخضع كريستي براون أخيراً للضغوط الممارسة عليها و تلجأ لذبح قطتها الأليفة ! مشهد القتل هذا ينفذه سام ريمي off-screen (أو خارج الكادر) لإعطاء دفع للمشاهد لعقد مقارنةٍ تلقائية بين بشاعة الفعل و لطف سام ريمي في تنفيذه و بالتالي توليد رد فعلٍ سلبي تجاه كريستي في هذه الفترة من الفيلم تأكيداً للإنهيار الأخلاقي الذي تتعرض له ، وربما كان مشهد القتل ضمن الكادر ليخلق نوعاً من التعاطف تجاه انهيار كريستي

بالمقابل عانت الحبكة من أوجه قصور هزت بشكلٍ واضح إكتمال الفيلم كفيلم رعب ترفيهي. قصور نابع من الأسئلة التي لا يمكن للمشاهد أثناء المشاهدة أن يراوغها ويتفاداها. لم يفلح النص بتحويل القصة إلى قصة ثأرٍ شخصية بحيث تقنعنا بإمكانية أن تسخر عجوزٌ غجرية شيطانةً كتلك من أجل تدمير هذه الحسناء الرقيقة ! النص أصر على جعل القصة تقف عند مسألة القرض الذي رفضت كريستي تمديد مدة سداده ، صانعاً بالتالي تناقضاً غريباً في النقطة التي أسسها للتو : لماذا لم تستغل هذه العجوز تلك الشيطانة في إبتزاز الموظفة من أجل الحصول على القرض أو تأجيل سداده طالما ما يزال هو بالذات هدف العقوبة ؟!! هذه النقطة - المحورية - هي التساؤل الأكبر الذي يضرب هيكل الحبكة. مع ذلك، من الممكن القول بأن سام ريمي – تمكن بثقله الإخراجي من تجاوز بعض أوجه القصور و ردم أغلب الثغرات التي يخلفها نصه هنا وهناك كما فعل في مشهد الختام  مثلاً

 بالمجمل هذا فيلم رعبٍ مرح ! فيه الكثير من الكوميديا والكثير من الرعب مع تحيةٍ سينمائية لمعظم التيمات التقليدية التي رافقت مسيرة أفلام الرعب الرخيصة منذ إنطلاقتها. إخلاص حقيقي تجاه صناعة B-Movie على الطريقة الكلاسيكية القديمة يُعيد سام ريمي مجدداً إلى الصنف الذي صنع شهرته قبل عقدين من الزمان. 

التقييم من 10 : 7


0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters