كتب : عماد العذري
بطولة : روبرت دي نيرو , جو باشي , شارون ستون
إخراج : مارتن سكورسيزي
عن نص للكاتب نيكولاس بيليغي يعيد مارتن سكورسيزي
اللقاء مع رفيق دربه روبرت دي نيرو في العمل السينمائي التاسع عشر في مسيرة المخرج الكبير
, و في وجود جو باشي أيضاً يكتمل المربع الذي صنع سحر Goodfellas عام 1990 , لذلك لا مفر للمشاهد
من مقارنة هذا العمل مع ذاك .
على مدار أكثر من ساعتين و نصف يراقب سكورسيزي شخصياته
الثلاث : إيس روثيستين أسطورة المقامرة الذي يدير الآن واحداً من أشهر كازينوهات
فيغاس , نيكي سانتورو صديقه القديم ذو السجل الإجرامي و العلاقات المشبوهة
مع عصابات المافيا , و جينجر ماكينا المومس التي تصبح لاحقاً الزوجة البائسة لروثيستين
بسبب علاقتها مع قوادها السابق و إدمانها على المخدرات .
يستعرض سكورسيزي من خلال النصف
الأول لعمله الفرق الأهم بين روثيستين و سانتورو : الأول يحاول أن يسلك الطريق القويم في إدارة مستعمرته
الصغيرة , يحاول أن يحدد بوضوح قوانينها , و يتابع بحماس و جدية الإلتزام بهذه القوانين
, روثيستين صارم في تعامله مع كل من يجرؤ على هز النظام في مملكته
, يضرب بقسوة على المقامرين الذين يمارسون الغش , و يرفض كل أنواع الواسطات لتوظيف
من ليس مؤهلاً ليرتقي بمستوى العمل في الكازينو , على خلافه يكون سانتورو , مجرم
من العيار الثقيل ذو علاقات وثيقة بعصابات المافيا في بلدته و كذلك في فيغاس , يحاول
أن يمارس أعماله الإجرامية في إطار الكازينو مستغلاً إيعازاً من مالكي الكازينو لحماية
مديره الجديد روثيستين , سكورسيزي يبدأ الفيلم بصداقة قوية تجمع الرجلين الذين نشأ كلاهما
في المدينة ذاتها و تشاركا في الكثير من الأمور , ثم يقودهما تدريجياً نحو الإختلاف
و تقاطع الأفكار و تناقض المصالح , و عندما يخون نيكي روثيستين مع زوجته
, يفقد زعماء الكازينو ثقتهم بأفعال نيكي خصوصاً مع تضييق رجال الإف بي آي الخناق في مراقبتهم لأعمال
الكازينو و المحيطين به , لكن بالمقابل فإن الشيء الأهم الذي يوحد شخصيتي روثيستين و سانتورو هي الإخلاص
تجاه ما يفعلانه , ولاءهما لقناعاتهما و عمل المستحيل من أجل عدم التخلي عنها , وهذا
ربما ما يمنح الفيلم تماسكه رغم ثغراته , هذه الجزئية تبقي المشاهد مهتماً بما يحدث
و هو يتأمل الإنقسام الذي بدأ يكبر بين شرعية إيس و طرق نيكي الملتوية .
في النصف الأول من العمل يستخدم سكورسيزي بكثافة
المفاتيح ذاتها التي إستخدمها في رفقته الطيبين , مركزاً على أسلوب الراوي و اللقطات الطويلة ضمن
الكازينو و منح الصورة نوعاً من المذاق التوثيقي , وهو أمر بالتالي يدفع المشاهد لا
إرادياً في منحىً آخر , حيث تُرسَم لدى المشاهد صورة مبكرة جداً عن إجرامية شخصية روثيستين مع أن
النص في الواقع لا يقدمها كذلك , و المشكلة تتفاقم عندما لا يستطيع المشاهد أن يرفض
هذه الفكرة من مخيلته طوال هذا الجزء , ثم يبدأ وضوح الصورة لدى المشاهد مع تكرار المشادات
التي تحدث بين روثيستين و جنجر , هذه الصورة الهلامية تتكرر مع جنجر ذاتها , الكثير من مفاصل
السيناريو تحاول ترسيخ وجودها كضحية لما يحدث , رغم أن كل ما نشاهده يبدو معاكساً لهذه
الصورة , فالمرأة تبدأ أخطاءها منذ ليلة زفافها عندما تجري مكالمة هاتفية مع قوادها
, ثم يتكرر ذلك مع إدمانها على المخدرات و إهمالها لإبنتها ثم لجوءها لنيكي , لكن المشكلة
لا تكمن فقط في هلامية التقديم بل تتعداها إلى محاولةٍ غير مجديةٍ تماماً لإبقاء جنجر كأحد محاور
الفيلم , شخصية جنجر تفقد أهميتها في منتصف هذه الصراعات , و تعاني في كثير من
تطوراتها من إفتعالية واضحة خصوصاً في إنقلابها على زوجها , و إستمرار علاقتها بروثيستين بعد
طلاقها منه , ثم العلاقة غير المطهية بشكل جيدٍ بين جنجر و سانتورو , هذا
الضياع حاول أداء شارون ستون الصلب تعويضه و ملء الفراغ الحادث , لكن هذه الشخصية
كانت تحتاج لأكثر من مجرد أداءٍ ممتاز لتكون مؤثرة .
و بالتأكيد يواصل سكورسيزي سبره لمشروعه
الأمريكي , يبدو و كأنما يلقي نظرةً وداعيةً على العلاقات المشبوهة و الأعمال الإجرامية
التي رافقت تأسيس فيغاس , قبل أن يأتي الطوفان الذي يجتاح الجميع , ليبدأ حقبة جديدةً
أثمرت ظهور فيغاس الحديثة بقوانينها و مشاريعها التي جعلتها أرض الأحلام في
أمريكا المعاصرة .
مقارنة هذا العمل بـ Goodfellas لامفر منها , و لا تنتهي لصالحه
بأي حال من الأحوال , و في الوقت الذي يكرر جو باشي الشخصية التي
صنعها هناك و منحته جائزة أوسكار , فإن روبرت دي نيرو يتفوق على أي مقارنة و يقدم أفضل أداءات الفيلم
, دي نيرو يستغل حضوره و شخصيته ليقدم إيس روثيستين كما يجب
فعلاً أن يكونه , ولعه بجينجر , صداقتهُ المتحفَّظ على تفاصيلها مع نيكي , حبه لإبنته
, إخلاصه لعمله , وقسوته و صرامته تجاه كل من يحاول العبث بالكازينو دون إنفعالاتٍ
فائضة قد تبدو ظاهرياً ملائمةً لشخصيةٍ كهذه , أداء دي نيرو مدروس بعناية
, قد يكون آخر الأداءات العظيمة بحق في مسيرة هذا الممثل الأسطورة .
بالمجمل هو فيلم جيد إلى حد بعيد , مدته الطويلة
لم تضف إليه شيئاً خصوصاً مع الطريقة التي ينهجها السيناريو و اللغة السينمائية التي
يتبعها مارتن سكورسيزي فيه , قد يكون أكثر أفلام سكورسيزي دمويةً
, لكنه بالتأكيد ليس واحداً من أفضلها , هو بالمقابل ليس إستغلالاً رديئاً لنجاح سابق
للرجل , تكفيه أحداثه المتشابكة المخدومة بإمتياز بمونتاج ثيلما سكونماكر
, و أداءاته الصلبة التي يقدمها أبطاله الثلاثة لتجعله فيلماً يستحق المشاهدة .
التقييم من 10 : 7
0 تعليقات:
إرسال تعليق