•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

The Last of The Mohicans

كتب : عماد العذري

بطولة : دانيال داي لويس , مادلين ستو 
إخراج : مايكل مان 

أقتباسٌ سينمائيٌ ثانٍ لرواية جيمس فينيمور كوبر بعد فيلم عام 1936 الذي قام ببطولته رودولف سكوت. تجري أحداث الفيلم في عام 1757 في السنة الثالثة من الحرب بين بريطانيا و فرنسا في المستعمرات الأمريكية. جميع قبائل الهنود الحمر حددت موقفها من الطرفين ، بينما ثلاثة رجال من الموهيكانز يرفضون الإنضمام لأحد : تشينغاتشوك أحد عظماء الموهيكانز وإبنه البيولوجي أنكاس وإبنه المتبنى ذو الأصول الأوروبية ناثانيل. قبائل الهيرون تنضم للفرنسيين بينما تقف قبائل الموهوك في صف الإنجليز رغم أن بعضهم لا يريدون خوض الحرب خوفاً على مستوطناتهم. في هذه الأثناء محارب بريطاني شاب يدعى دنكان يحاول إقناع كورا إبنة الجنرال الإسكتلندي مونرو بفكرة الزواج منه ، لكن كورا تعتبره مجرد صديق يحاول مساعدتها في الوصول مع شقيقتها الصغرى أليس إلى معسكر والدهم. وعندما يتعرض فوجهم للغدر والتقتيل من قبل دليلهم ماغوا رجل الهيرون المندس ، يقف رجال الموهيكانز الجوالون في صفهم وينقذون الموقف لتبدأ رحلة شاقة للوصول إلى المعسكر ، وقصة حب بين ناثانيل و كورا.

هنا يقدم مايكل مان واحداً من أفضل إنجازاته الإخراجية ، معوضاً بطريقة ما قصور النص في بعض الجزئيات. في البداية لا يحتاج مايكل مان سوى لمشهد واحد لرجال الموهيكانز يزورون آل كاميرون ليشعرك بمقدار أساهم لما حدث لهذه العائلة ، ولماذا يواجهون الجنرال مونرو بكل ذلك الحماس في ذروة الحصار الذي يتعرض له. مشهدٌ واحدٌ كان كافٍ تماماً ليريك ماذا تعني هذه العائلة المغدورة بالنسبة لهم. بالإضافة إلى ذلك قد لا يحتاج المشاهد للكثير ليشعر بما يدور داخل ناثانيل : أصله الأوروبي الذي نسيه ، وإرثه الذي نشأ عليه وإعتز به ، إعتداده بنفسه ، وعزيمته وشخصيته المحبوبة. هذه التفاصيل تشعر بها تتسرب إليك وترسم صورةً واضحة عن ملامح البطل تكون كافيةً لتعرف كيف يأسر منذ أول مشهد إعجاب كورا. و عندما يحدث الصدام بين ما يريده ناثانييل وما يريده دانكن ، يحدث إنقسام نشعر به ولا يُفصح عنه في قلب كورا. يولّد هذا الانقسام في المشاهد احساساً بأن قصة الحب غير معالجة بشكل جيد على الورق ، لكن مايكل مان يقدم لها الكثير. ترجمتها البصرية محسّنة ومقنعة إلى حدٍ بعيد رغم إفتقارها للإتساق الدرامي ورغم حس الإفتعال الذي طبعها في بعض مراحلها.

بالمقابل هناك محاور ثانوية يتفوق مايكل مان في جعلها تطغى على قصة الحب والحرب التي نشاهدها. أهم هذه المحاور هو العلاقة المتكررة في الفيلم بين الأبناء والآباء. ماغوا الذي يقاتل إنتقاماً لأولاده المقتولين ، وأليس التي تعشق والدها وتتعلق به بشدة ، وتشينغاتشوك الذي يودع إبنه أنكاس بحرقة قلب وبإحترام شديد لمقاتل عظيم. أبناءٌ يدفعون الثمن في الواقع لأسباب لا علاقة لهم بها. هذا المحور يأخذ قوته الحقيقية في قصة ماغوا التي كانت مهمةً جداً لبعث الترقب والتشويق في هذا الفيلم كما هي مهمةٌ في تغذية درامية الأحداث ، وهو ما استغله مايكل مان بشكل ممتاز جاعلاً منها المحور الذي يجعل هذه القصة باقيةً في البال طويلاً خصوصاً وأن قوة العمل الحقيقية تبدأ بظهوره. قصة ماغوا تمثل الثارات التي لن تنتهي بين صاحب الأرض والمغتصب ، محورٌ تكتمل قوته بتأملنا لناثانيل نفسه الذي يمثل حالةً وسطاً بينهما : رجل أوروبي رباه الموهيكانز وإحتضنوه وتحول لديهم إلى طرزان آخر منقسم بين كورا التي تنحدر من ذات الأصول التي ينحدر منها ، وبين التقاليد و الإرث الذي يعتز به و نشأ عليه.

الكيمياء بين دانيال داي لويس و مادلين ستو هي الركن الأهم الذي يجعل هذه العلاقة الرومانسية قويةً ومتماسكة. العاطفة الصريحة والمباشرة موجودة في كل مشهد يجمعهما. أداؤهما وحده كافٍ لجعل اللب الحقيقي لهذا الفيلم - والمتمثل في قصة الحب - حياً ونابضاً وكافياً لموازنة الأحداث التاريخية التي تدور حول الشخصيتين. كيمياء صنعها حس مدير ممثلين ممتاز مثل مايكل مان ، يمتد إلى أداءٍ ممتاز من ويس ستدي في دور ماغوا ، يرسم جلافته وقوته وغضبه وحقده بفعالية ، وإلى أداءٍ صادقٍ ومؤثرٍ من جودي ماي في دور أليس رغم صغر مساحته.

و رغم بعض (البهرجة) البصرية المقدمة لجعل الصورة أكثر خلوداً و تأثيراً ، كما هو حال مشهد الشلال مثلاً ، إلا أن هذا لا يبدو يؤثر سلباً بطريقةٍ تفقد العمل قوته خصوصاً مع منجزٍ ممتاز في تصوير دانتي سبينوتي و في موسيقى راندي إيدلمان التي لا تُنسى. مع ذلك ، تطغى تلك الديكورية البصرية على مشهد واحد - لا يبدو منطقياً أو حتى مقدماً بطريقة تجعله منطقياً ولا تكفي بمفردها لإنقاذه - هو المشهد الذي يقدم فيه دانكن نفسه فداءاً لكورا. مشهد يأتي بعد متوالية أحداثٍ لم ترسخ نظرةً إيجابية حقيقيةً عن دانكن يمكنها أن تفسر مافعله في قراره الختامي.

رغم ذلك ، تأتي مشاهد الذروة لتخلق قوة الفيلم الحقيقية الأخيرة. تصويرٌ (صامت) لكيف يمكن للإنتقام أن يكون غامراً و كاسحاً ولا يرحم عندما يأتي من أجل من نحب و من نهتم له ، مبرزاً في الختام صورة مأساوية في خاتمة إغريقية لحبيبين : في لحظة واحدة فقد أخاه و فقدت أختها !

هذا فيلم ممتاز عن العلاقة المتوترة بين الخوف والشرف : كيف نتنازل عن الثاني بسبب الأول ، و كيف يكون ضرورياً قهر الأول من أجل الحصول على الثاني ! فيلم ممتاز عن الحفاظ على الإرث الذي نحمله على عاتقنا والشرف الذي نبحث عنه و لا يأتي من تلقاء نفسه. مايكل مان يختم فيلمه كما إفتتحه ، بالتقاليد التي تحكم الموهيكانز ، بالإحترام الذي يبدونه أمام القتل ، سواءً كان ذلك إبنك الوحيد ، أو غزالاً قتلته في غابة.

التقييم من 10 : 8

0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters