إخراج : تمارا جينكينز
الفيلم الأول للمخرجة الشابة تمارا جينكينز يحكي قصة الأخوين سافج الذين تضطرهما الظروف لوضع خلافاتهما جانباً من أجل حل مشكلة والدهما المريض , ويندي كاتبة مسرحية تقطن في نيويورك و تكافح في أعمال مختلفة لخلق إحساس حقيقي بذاتها بعيداً عن حقيقة فشل أعمالها المسرحية , علاوةً على مشاكلها العاطفية مع رجل متزوج يكبرها بثلاثة عشر عاماً , و قلقها الدائم و المستمر تجاه تظاهرها بالسعادة النابع من حقيقة نجاح شقيقها الأكبر جون , جون بروفسور في تاريخ المسرح , حققت كتاباته نجاحات ملحوظة , الأمر الذي يشكل إحباطاً دائماً لدى شقيقته من فكرة المقارنة معه , لكن حياة جون لامعة في قشرتها فقط , الرجل يعاني مشاكل واضحة في التركيز على إكمال كتابه القادم , بالإضافة إلى فشل مشروع زواجه من صديقته التي ستغادر الولايات المتحدة إلى وطنها بولندا , كل هذا يتغير عندما يضطر الشقيقان للوقوف إلى جوار بعضهما عندما يبدأ والدهما رحلة مرض عقلي بدأ يقوده نحو الخرف
هذا واحد من أقرب أفلام 2007 إلى القلب , تمارا جينكينز تتجاوز حقيقة الحبكة المكررة التي يعاني منها نصها , فتغذيه بأكبر قدر ممكن من الحميمية , و لو سلمنا بحقيقة أن تكرار هذه الحبكة - الذي يجعلك ترسم خط سيرها حتى النهاية أثناء المشاهدة - يُفترض أن يفقد المشاهد جزءاً من الإهتمام بأحداث الفيلم , إلا أن هذا لا يحدث بالصورة التي نتخيلها , فالحميمية التي تمد بها جينكينز نصها أبدعت في الواقع شخصيات حقيقية و حية , أزمة منتصف العمر التي يمر بها شقيقان في أواخر عقدهما الرابع تطفو على هذه الحبكة , و تجعل من التفاصيل التي تغذيها الشيء الأهم لدى المشاهد , أهم هذه التفاصيل هي جزئية التظاهر التي تصيبهما في هذه المرحلة العمرية , التظاهر بالنجاح , التظاهر بالسعادة , التظاهر بالإستقرار العاطفي , تظاهر تعالجه جينكينز ببراعة من خلال البحث عن منبعه الأم فقدان الإهتمام , جينكينز تقول بأن المرء يبدأ بالتظاهر عندما يفقد إهتمام المحيطين به , ويندي و جون فقدا إهتمامهما تجاه بعضهما منذ زمن طويل نتيجة معاملة سيئة تعرضا لها في طفولتهما من قبل والد مهمل , إهتمام مفقود منذ الطفولة لدرجة أن ويندي تندهش عندما ترى صورةً قديمةً لشقيقها يضع تقويماً للأسنان في فمه !! , فقدان الإهتمام الذي يحدث يجعل كل منهما يتظاهر بنجاحه أمام الآخر , تظاهر ينتهي إلى مواجهة عندما تصر ويندي على نقل والدهم إلى مأوى جديد للمسنين بدلاً من مأوى الزنوج الذي يقيم فيه , وهو إنتقال يراه جون أنانيةً واضحةً لأنه ينبع من حقيقة أن ويندي – بدافع من تظاهرها و حبها للمظاهر - تحب هي أن تكون مرتاحة وهي تزور والدها في مأوى فخم كهذا و ليس من كون والدها سيكون مرتاحاً في ذلك المأوى
و فقدان الإهتمام الذي وَلّد هذا التظاهر قاد بطبيعة الحال إلى الغيرة , غيرة خفية من نجاح بعضهما البعض تجعل من فكرة نيل ويندي منحة لدى مؤسسة غوغونايم - التي رفضت جون ست مرات من قبل - أمراً غير مصدقٍ من قبله , فيسعى نحو حقيقة الأمر ليكتشف حقيقة شقيقته التي تتظاهر بنجاحها أمامه
ويندي بالمقابل تنهي علاقتها العاطفية مع الرجل المتزوج عندما تدرك بأنها تتظاهر بأنها سعيدة معه , و عندما تشعر بفقدان الإهتمام الحقيقي تجاهها المتبلور في حقيقة أنه قتل نبتتها عندما تركتها لديه للإعتناء بها في رمزية بسيطة لفكرة الإهتمام المفقود , هذا الإهتمام تجده ويندي في شاب نيجيري يشرف على رعاية والدها و يمنح كتاباتها إهتماماً حقيقياً و يبدي رأيه المتواضع فيها , وهو أمر دفعها في لحظة نشوة نادرة لتفعل ما فعلته مع الشخص الوحيد الذي قدرها و قدر ما تفعله , ذات الأمر الذي يتكرر مع جون الذي يبكي في كل مرة تطبخ له صديقته البيض , محور تزينه الخاتمة المملؤة بالأمل التي تصنعها جينكينز عندما يمنح جون قليلاً من الإهتمام و التقدير لشقيقته و يحضر بروفات مسرحيتها الجديدة ,
جينكينز تمكنت بطريقة ما من تجاوز بساطة و تقليدية و تكرارية حبكتها المحنة التي تجمع الفرقاء و تعيد صياغة حياتهم من خلال عمل يُحترَم على التفاصيل و تكثيف ممتاز على الرسالة التي تريد توجيهها , عززها حضور أدائي ممتاز من الرائعين دوماً فيليب سيمور هوفمان و لورا ليني في أفضل مباراة أدائية بنظري لعام 2007 , تجعلك تستمتع بكل ما يفعلانه متنقلين بسهولة ويسر بين المشاهد الكئيبة في حياتهما و تلك الممتعة و الظريفة , هذا فيلم للمشاهدة و الذكرى , الثامن على قائمتي لأفضل أفلام 2007
لشراء الفيلم من أمازون
0 تعليقات:
إرسال تعليق