•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الاثنين، 9 مارس 2009

Taken

كتب : عماد العذري

بطولة : ليام نيسون – ماغي غريس – فامكه جينسن
إخراج : بيير ميريل

في هذه الإثارة الجديدة من مخرج District B13 بيير ميريل , الذي يشاركه كتابة سيناريو هذا الفيلم شريكه الدائم مارك كامن و منتج الفيلم المخرج الفرنسي الشهير لوك بيسون , جاسوس أمريكي سابق يعيش منفصلاً عن إبنته الوحيدة المقيمة لدى والدتها المتزوجة من أحد الأثرياء , يحاول جاهداً خلق نوع من الود معها و تعويضها عن جزء من حنان الأبوة الذي فقدته بسبب إنشغاله الدائم في خدمة البلد , لكن هذه العلاقة تستفز بشدة عندما تختطف إبنته في رحلة أوروبية من قبل عصابةٍ ألبانية لتجارة الرقيق , و يجد الرجل نفسه مضطراً للتعبير عن كل مهاراته السابقة و كل الخبرات الطويلة التي إمتلكها في سبيل إستعادة أهم شيء في حياته .

في بدايات هذا الفيلم يحاول بيير ميريل خلق تأسيس سريع لشخصياته بهدف الإنتقال إلى المرحلة التأسيسية الأهم في تصوير العاطفة الجارفة التي تملأ قلب برايان ميلرز الجاسوس الأمريكي السابق تجاه إبنته التي تعيش بعيداً عنه , خلال بضع دقائق نتعرف على حياة الوحدة التي يعيشها منذ إنفصاله عن زوجته , ندرك بسرعة مقدار حبه لإبنته , يشتري لها جهاز كاريوكي في عيد ميلادها السابع عشر لأنها كانت تحلم بأن تصبح مغنية , هديةٌ تفقد أهميتها بمجرد ظهور هدية زوج والدتها , حصان أسود , يشعر المشاهد بالأسى الذي يعتمل في صدر برايان ميلرز تجاه هديته التي تجوهلت , رغم أن إبنته في الواقع ليست إبنة جافية أو ناكرة , إبنته تحبه بشدة , لكن بعده عنها جعل هدية زوج والدتها تتوافق مع أحلامها الحالية مقارنة بهدية والدها جهاز الكاريوكي الذي كانت تحلم به في سن الثانية عشرة , المشهد يبدو كافياً لخلق نوعية من البعد بين الأب و إبنته يجب أن تصل للمشاهد بهذه الطريقة ..

لاحقاً يحاول ميريل تأسيس شخصية بطله : برايان ميلرز جاسوس أمريكي سابق , يمتلك مهارات قتالية و تجسسية رفيعة المستوى , أمرٌ تتناسب محاولةُ التأسيس له بإختيار ممثل مثل ليام نيسون له , يبدو بقامته الطويلة و بنيته القوية و عمره الخمسيني مناسباً بشدة لدور ميلرز , ميلرز متقاعد الآن يعيش حياة التقاعد بكل برودها و جمودها و روتينها , و يتسلى من حين لآخر ببعض المهمات الخاصة التي يعمل فيها بالأجر اليومي كالحراسة و التوصيل و ما إلى ذلك , ليام نيسون الذي قد يبدو بعيداً عن أن يكون بطل أفلام أكشن يمتلك في عينيه و ملامح وجهه خبرات مقاتل صنديد و فراغ رجل في الخمسين يعيش وحيداً بعيداً عن أقرب المقربين إليه ..

بعد هذه المرحلة التأسيسية لطبيعة شخصية برايان ميلرز و علاقته بإبنته ( التأسيس الذي لا يغوص في العمق لكنه يكون كافياً لمثل هذه النوعية من الأعمال ) , ينهج السيناريو نهجاً إفتعالياً في صناعة الحدث , أمرٌ يبدأ بشكل تدريجي منذ عملية إنقاذه للمغنية المشهورة التي تعطيه إهتماماً هذه المرة و تمنح إبنته الفرصة للإتصال بها , تبدو هذه المرحلة أولى نقاط الإفتعالية في الفيلم , ربما بسبب كونها تحدث بسرعة و دون تمهيد و بطريقة مفاجئة تجعل الهدف منها ( وهو إعطاء فرصة لإبنته لأن تحقق حلمها كمغنية ) يبدو ساذجاً , وحقيقة لا تبدو هذه المرحلة مؤثرة بشكل سلبي إلى هذه الدرجة , هي تبدو كمرحلة إهتزاز طفيفة , لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في إفتعاليتها فحسب بل في إستمرار هذه الإفتعالية في المشاهد اللاحقة في الفيلم و التي أفقرت الفيلم قوة الإثارة التي كان سيمتلكها لو سار على التماسك ذاته الذي بدى عليه في بداياته ..

شخصية برايان ميلرز تتعزز بمشاهدة الطريقة التي نراه يتعامل فيها مع إقتراح إبنته السفر إلى فرنسا مع إحدى صديقاتها , الطريقة التي يضخم بها برايان ميلرز الأمور , طريقة إكتسبها بفعل الحذر الشديد الذي رافق مسيرته المهنية , و الشروط التي يميلها على إبنته من أجل أن يمنحها الموافقة تظهر الرجل و كأنه يتعامل مع عملية تجسسية , وهي الصورة التي يبدو فيها لزوجته السابقة و لإبنته كذلك ..

إفتعالية الفيلم تتجلى بشكل صارخ في المشهد الذي تختطف فيه إبنته : كيف لا ترد على إتصاله أولاً , ثم ترد عليه في اللحظة التي تحضر فيها العصابة إلى المنزل , العصابة التي تبدو أسرع عصابةٍ في العالم تحضر إلى مكان إقامة الفتيات في أقل من خمس دقائق ( نحن نتحدث عن باريس ) , التغطية المباشرة للأحداث التي تقوم بها الإبنة على الهاتف ( وكأن اللحظة تحتمل شيئاً كهذا ) , ثم المونولوج الذي يؤديه برايان ميلرز و هو يحادث رجل العصابة في الهاتف ( سأقتلك ) بطريقة لا تتناسب مطلقاً مع رجل يحب إبنته كل هذا الحب و هو يفقدها الآن لصالح خصوم مجهولين في بلد بعيد , كل هذه الأمور تحدث بطريقة ( مسبق الصنع ) البالية و كأن الرجل يدرك تماماً كل ما يحدث , صحيح أن الرجل هو رجل مخابرات سابق , لكن الجريمة التي تحدث لا تتعلق أصلاً بعمله , هي تحدث من قبل عصابات تعمل في تجارة الرقيق , و هذه المرحلة من الفيلم تنتهي بعدما هزت بقوة التأسيس الجيد الذي خلقه ميريل لفيلمه في بداياته ..

الإفتعالية تستمر لاحقاً ربما بطريقة صارخة , الرجل يمتلك 96 ساعة فقط لإيجاد إبنته ( على أي أساس بني هذا الرقم ؟ لا أدري , هذه ليست قنبلة موقوتة ! ) , صياد الفتيات بيتر يقتل في الشارع بحادث سيارة , برايان ميلرز يستأجر مترجماً ألبانياً يذكر له في سياق ترجمته موقعاً إنشائياً ( لا أدري كيف حدد برايان ميلرز ذلك الموقع لاحقاً بين كل المواقع الإنشائية في باريس ؟! ) , فوق ذلك هناك تناوب غير مدروس للحوار باللغتين الإنجليزية و الفرنسية , فعلى سبيل المثال يفاوض برايان ميلرز العصابة الألبانية مفوضاً ( بطريقة مزورة ) من قبل مكتب مكافحة الإرهاب الذي يديره صديقه جان كلود , لا أدري كيف يصر الفيلم على إجراء حواراته بالفرنسية عندما يتطلب الأمر ذلك , ويدير هذا المشهد باللغة الإنجليزية بين طرف يفترض أنه فرنسي و آخر من المهاجرين الألبان , و في باريس ! , ربما تبدو هذه الأمور بسيطة و تافهة و لا تستحق الذكر , لكن تراكمها في مراحل الذروة من الفيلم يصنع خللاً واضحاً في قوة خط الإثارة الذي يسير عليه , و يبعث كماً من التساؤلات لدى المشاهد هو في غنىً عنها و كان يمكن تلافيها بسهولة ..

حبكة الإثارة في هذا الفيلم سهلةٌ للغاية , حتى على مستوى أن أحد طرفي هذه الإثارة هو رجل مخابرات سابق يمتلك العديد من المهارات القتالية فإن هذه الحبكة تبدو سهلةً بوضوح , و خلال فترة ذروةٍ قصيرة يقتل الرجل كل رجال العصابة الألبانية و يبدأ مسيرته نحو إيجاد إبنته , مرحلة تبدو خاطفة و تحدث بسرعة غير متوقعة , ربما تستعيد بعضاً من توازنها في مشهد تعذيب برايان ميلرز لرجل العصابة ماركو الذي يبدو مشهداً متوازناً و متماسكاً , لكن هذا التوازن ما يلبث أن يختل بمجرد ذهاب برايان ميلرز إلى المواجهة الختامية في حفل بيع الرقيق الذي يديره سانت كلير , نشاهد إنكسار برايان ميلرز بطريقة غريبة , سقوطه في أيدي تجار الرقيق , مفاوضته إياهم حول شراء إبنته , قبل أن يهرب منهم بذات الطريقة المصطنعة ..

في المعركة الختامية أثارت سخريتي الطريقة التي قدمت بها اللهجة العربية ( الفصحى ) في الفيلم , أمر يبعث على الإستغراب لكونه يأتي من مخرج فرنسي و ليس أمريكي , خصوصاً بفعل القرب الحضاري و الجغرافي للفرنسيين و معرفتهم التامة بالتنوع اللغوي العربي , و هي مأساة ما زالت تتكرر بوضوح في هوليوود و تبدو في هذا الفيلم باعثةً على الضحك , في هذه المعركة يصر ميريل على جعل المواجهة الأخيرة بين برايان ميلرز و العربي مواجهةً مطولة رغم أن الواقع لا يحتمل ذلك بسبب فارق الخبرات الواضح بين الرجلين , إستكمال آخر للمشهدية المفتعلة الطاغية في هذا الفيلم ..

و رغم ذلك , يبقى الفيلم مثيراً لو تمكن المشاهد من إراحة عقله في التفكير بتفاصيله ( و هي جزئية صعبةٌ بالنسبة لي ! ) , و يمكن معه قضاء ساعتين ممتعتين و غير باعثتين على الملل أبداً , خصوصاً بتأمل الأداء المتوازن الذي يقدمه ليام نيسون للشخصية الرئيسية فيه , نيسون يصنع عاطفة حقيقية في شخصيته و يتمكن من إيصالها بشكل جيد لمشاهده ( رغم أن لهجته الإيرلندية تفلت منه في بعض الأحيان ) , و الكيمياء التي يقدمها مع ماغي غريس التي تؤدي دور إبنته تحقق الغرض تماماً و تبدو مهمة و كافية لخلق التأسيس الحقيقي للعاطفة التي تربط إبنةً بعيدةً بوالدٍ ملهوف ..

التقييم من 10 : 6

0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters