•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

Oldboy

كتب : عماد العذري 

بطولة : تشوي مين سيك ، كانغ هاي جيونغ ، يو جي تاي 
إخراج : بارك شان ووك 

"ماذا يمكنك أن تقول عن فيلم لا يحتوي واحدة ، ولا إثنتين ، بل ثلاث من عمليات الجراحة الفموية !!!" الناقد ديفيد توماس

ديفيد فينشر يقدم فيلمه الآسيوي عن معالجة المركيز دو ساد الخاصة لـ "أوديب ملكاً"!! 

ربما إندهش الكثيرون عندما علموا أن الفيلم الوثائقي الأخير للمثير للجدل دوماً مايكل مور Fahrenheit 9/11 ظفر بالسعفة الذهبية كبرى جوائز مهرجان كان السينمائي الدولي. منبع الدهشة لم يكن من تكريم كان لمور المبغوض من حكومة بلاده ، ولم يكن من كونه فيلماً وثائقياً حظي بأطول مدة تصفيق في تاريخ المهرجان ، بل كان مرده في الواقع إلى أن رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان كان مخرجاً أمريكياً يبدو بعيداً كل البعد عن مثل هذه النوعية من الأعمال هو كوانتين تارانتينو ، الأمر الذي دفع البعض لإعتبار المسألة برمتها لعبةً سياسية خصوصاً وأن ذلك الفوز جاء على حساب فيلمٍ مفرطٍ في ساديته مسرفٍ في دمويته كرّمته ذات اللجنة التي يرأسها تارانتينو بجائزة لجنة التحكيم الكبرى ووقف كوانتين تارانتينو بعد عرضه ربع ساعة كاملة مصفقاً بحرارة وهو يهتف A Masterpiece !

المركيز دو ساد القادم من كوريا هذه المرة مخرجٌ في الأربعين إسمه بارك شان ووك ، بدأ إهتمامه بالسينما في الكلية في جامعة سوغانغ الكورية ، وبعد تخرجه من قسم الفلسفة عمل كمخرج مساعد للمخرج غواك جي يونغ لمدة أربعة أعوام قبل أن يبدأ بإخراج أفلامٍ تنقّل فيها بين دراما العصابات والكوميديا ثم أصاب نجاحاً كبيراً مع فيلم Joint Security Area عام 2000 الذي تناول جريمة قتل ترتكب في المنطقة منزوعة السلاح بين كوريا الشمالية والجنوبية ، وهو الفيلم الذي حقق حينها النجاح الأكبر في تاريخ شباك التذاكر الكوري قبل أن يزيحه لاحقاً فيلم Shiri الذي تناول أيضاً العلاقات الكورية – الكورية. ورغم أن نجاح هذا الفيلم إعتمد إلى حدٍ بعيد على موضوعٍ غير مطروقٍ سينمائياً خصوصاً مع بدء ذوبان الجليد في العلاقات بين شطري شبه الجزيرة الكورية ، لكن الفضل الأكبر في نجاحه كان يعود لقصة مؤثرة وإخراج ممدوح قدمه شان ووك. ذلك النجاح في طرق موضوعٍ حساسٍ وشائك لم يُغرِ شان ووك ليستمر فيه ، فشهدت مسيرته اللاحقة تحولاً لافتاً نحو مشروع ثلاثية متعاقبة تتناول موضوع الإنتقام إفتتحها شان ووك عام 2002 بفيلم Sympathy for Mr. Vengeance الذي قدم فيه - من خلال جرعة ثقيلة من العنف والتعذيب والدموية - فكرة كيف يمكن لأناس عاديين أن يرتكبوا بسهولة افعالاً في غاية الشناعة إذا لزم الأمر ! ومع الإستقبال العادي للفيلم لم يكن شان ووك يتوقع ربما أن يصبح بعد عامين منه النجم الأول لمهرجان كان السينمائي الدولي عندما قدم إليه حاملاً الجزء الثاني من ثلاثيته Oldboy

في فيلمه هذا يتناول شان ووك قصة أوه دايسو ، رجل أعمال كوري يبحث عن الشراب والجنس من مكانٍ لآخر كل ليلة ، الأمر الذي يضطر الشرطة كثيراً لإحتجازه بسبب المشاكل التي يثيرها. في إحدى الليالي يُطلق سراحه من الحجز ليجد نفسه بعد بضع دقائق ولأسباب لا يفهمها محتجزاً في غرفة مغلقة النوافذ ، دون أي معرفة بمن هم سجانوه ولماذا فعلوا به ذلك. وسيلة تواصله الوحيدة مع العالم الخارجي كان جهاز تليفزيون ووجبة يومية من الفطائر المقلية يحصل عليها من فتحة صغيرة أسفل باب الحجرة. ما إعتقد أوه دايسو أنه إحتجاز لبضعة أشهر إمتد ليصبح خمسة عشر عاماً ! ليخرج بعدها وفي رأسه الكثير من الأسئلة تبحث عن إجابة ، وهدف واحد لا يريد له آخراً في ماتبقى من حياته ، هو الإنتقام ! 

عبر هذه المسرحية ثلاثية الشخوص المقتبسة عن قصص مانغا حملت العنوان ذاته للكاتبين ميناجيشي نوباوكي وتسوشايا غيرون يقدم بارك شان ووك نظرةً في عمق الرغبة الإنسانية المتجذرة في الإنتقام ، وهو موضوعٌ بدأ في استنطاقه مع أول أفلام ثلاثيته Sympathy for Mr. Vengeance . في تجريد هذه النظرة هناك الكثير من القتامة التي توازي ربما قتامة الإنتقام ذاته والتي تنبع في منظور شان ووك من الجوانب السادية المتوارية في كلٍ منا ، تلك التي لا تطبع تصرفاتنا لكنها تبقى مترجمةً في رغباتنا الخفية في مشاهدة كل ماله علاقة بالعنف والدموية وهي رغبات تُشبعها معالجة شان ووك هذه وهو يقود بطله هنا الى ذروةٍ تطهر كل تلك الرغبات. يحافظ شان ووك بذكاء على توازن فريد بين مايريد أن يقول ، وكيف يجب عليه أن يقوله. فيلم الإنتقام عند شان ووك يجب أن يكون عنيفاً ودموياً كحال الإنتقام ذاته، لكن يجب أن تكون مآلاته سوداء وقاتمة ولا لذة فيها كما هو الإنتقام أيضاً ! عندما أتأمل عمله في هذا الجانب تقفز إلى ذهني تلك العبارة التي قرأتها عقب مشاهدتي له أول مرة للناقد الأميريكي روب توماس "لا يوجد ناقد سينمائي حاول قولها ، لكنه يجب أن يفعل متى سنحت له الفرصة : لم تشاهد شيئاً مثل Oldboy من قبل !"، وهو قولٌ فيه من الحقيقة الكثير. 

ما يبرز في العواطف التي تفرضها معالجة شان ووك هنا هو تعاملها مع مسألة (نسبية العاطفة) من خلال سياق (اللص يبقى ظالماً حتى يتم قتله ، عندها فقط يصبح مظلوماً). طرفا الإنتقام في نظرة شان ووك التفكيكية هذه مذنبان بشكل أو بآخر ، كلاهما إرتكب جرماً يستحق أن يعاقب عليه ، لكن العاطفة تجاه ما فعلاه تصبح نسبيةً بمجرد فرض العقوبة التي تأتي غير متناسبةٍ مع حجم الجرم المرتكب فتدفعنا لا إرادياً للتعاطف مع شخصية على حساب الشخصية الأخرى بصورةٍ تطغى حتى على الذنب ذاته الذي يتلاشى ويُستصغر بتقدم الحدث. معالجة بارك شون ووك ترى بوضوح أن الإنتقام قد يكون في حالات كثيرة أكثر إضراراً بالمنتقم منه بغريمه وأن ذلك جزءٌ من سوداوية وقتامة الإنتقام ذاته والتي تنعكس شيئاً فشيئاً على التطور النفسي للمنتقم . أوه دايسو نفذ إنتقامه الذي إنتظره 15 عاماً ، إنتقام تجاوز به اشكالية (لماذا ؟) التي لازمته طوال تلك السنوات ليصبح هماً رئيسياً وأسلوب معيشة طبع كل تفاصيل حياته بعد تحريره من سجنه لدرجة لم يعد يستطيع بعدها التراجع عنه قبل أن يصبح واجباً مقدساً بعد معرفة ذنبه وبعد مقتل صديقه. لكن تلك الرغبة بالإنتقام ألحقت به بعد ذلك ضرراً أكبر بكثير مما لحق بخصمه على خلاف مانشاهده عادةً في أفلام الإنتقام ! والصورة التي تؤسس لهاجسٍ واحدٍ لدى المشاهد اثناء رحلته مع الفيلم حول معرفة ما سيفعله رجل سُجن 15 عاماً بسجّانه ومدى قسوة الإنتقام الذي سينفذه تنقلب تماماً لتصبح في الختام انتظاراً غريباً لما سيفعله سجّانه به !! بارك شان ووك يفكك فكرة الإنتقام معيداً إياها الى مربعها الفطري الأول حيث سوداوية وقتامة الفكرة تسبق وتطغى على أي لذةٍ تحققها.

على الوجه الآخر من مركّب الإنتقام الذي يعرضه شان ووك هنا تبرز مساحةٌ مهمةٌ لغريزة إنسانية لم تُختبر بهذه الصورة في أفلام الإنتقام التي سبقته ربما بسبب وضوح الدافع : الفضول ! شان ووك يتيح لبطله الفرصة لتحقيق إنتقامه دون أن يعرف (لماذا ؟) لكنه يضعه في دوامة غريزة إنسانية لا ترحم هي الفضول عندما تنزلق رحلة البطل مع الإنتقام من بعدٍ غامض (لماذا سجنني 15 عاماً ؟) إلى بعد أشد غموضاً (لماذا حررني بعد 15 عاماً ؟) عندما يتراجع أوه دايسو عن قراره بإنتقام لا يفصله عنه سوى بضعة أمتار فقط ليعرف السبب. غريزة الفضول هذه زادت – بشكل أو بآخر – من قسوة الإنتقام على أوه دايسو ، وكأنما بشان ووك يعاقب بطله على رغبته بالإنتقام وعلى فضوله كذلك ، وهو عقاب وإن بدى لا أخلاقياً (على فرض أن من يتعرض لحالة أوه دايسو سيسلك الطريق ذاته غالباً) إلا أنه عقاب ينسجم تماماً مع روح معالجة شان ووك التي إعتمدت أسلوباً شديدة القسوة لطرح الأفكار ، وبدون (لماذا ؟) كان الإنتقام ليكون أخف وطأةً وإن لم يخفف ذلك من الحقيقة في جوهره. 

ركّز الكثير من منتقدي الفيلم على جزئية (الحقيقة) التي تعصف بالشخصيات عند نهاية الفيلم ، وأعتقد أن التعامل مع الفيلم كفيلم من (أفلام الصدمة) فيه إستخفاف كبير بالعمل. معالجة شان ووك تسلك طريقاً صعباً للوصول إلى نهايته العاصفة تعتمد تصاعداً تدريجياً للأحداث ونفساً لاهثاً للإثارة تجعل الفيلم في نتيجته واحداً من تلك الأعمال التي تتلاشى نهايتها الصادمة أمام عظمة العمل كله تماماً وبل وتجعله مغرياً لإعادة المشاهدة واعادة الاستكشاف ، كما حدث مع أعمال مهمةٍ في العقد الماضي مثل The Usual Suspects و Se7en و L.A Confdential يبدأ شان ووك فيلمه بـ (نَفَسٍ مرح) إلى حد كبير يخلقه في الواقع تصرفات أوه دايسو المجنونة حتى داخل سجنه ، ثم لا يلبث هذا النَفَس أن يتراجع تدريجياً مع تصاعد يقابله في موجة الإثارة ما تلبث معه أن تدرك أنك أمام فيلم ليس من ذلك النوع الذي يبدو عليه للوهلة الأولى. ربما ما أجده قد يؤخذ فعلاً على الفيلم وربما قد لا يستسيغه البعض فيه هو جنوحه البعيد عن الغريزي والفطري ومحاولته خدشه في كل مناسبة تحين له لدرجةٍ تجعل ذلك يبدو هدفاً لذات ، فنشاهد البطل يعد سنين سجنه مثلاً عن طريق غرزات يغرزها في ظهر كفه ، ويبلغ شوقه لكل ماهو حيّ أن يتناول أخطبوطاً حياً ، سنشاهد أيضاً معارك دموية تستخدم السكاكين والمطارق والكماشات والعصي ومضارب البيسبول وكسارات الثلج ، مع ثلاث عمليات فموية دموية ، ويد مقطوعة ، وعلاقات محرمة ، وعملية تنويم مغناطيسي من أغرب ما يكون ! تفاصيل قد تجعل بعض المشاهدين مرتبكين أو منهكين بعد مشاهدته ، حتى وإن صفقوا بعد عرضه ! 

في منتصف ترجمة شان ووك البصرية هناك واحدٌ من أعظم مشاهد القتال اليدوي التي قدمتها السينما. شان ووك ينفذ المشهد الذي يواجه فيه أوه دايسو جيشاً من المقاتلين في ممر ضيق مستخدمين العصي والخناجر والقبضات الفارغة بأسلوب اللقطة الواحدة الطويلة دون مونتاج لقرابة ثلاث دقائق على الشاشة. استغرق شان ووك ثلاثة أيام في تصوير المشهد حيثُ غايةٍ كهذه تزيد صعوبة التحضير للمشهد في محاولة لإلغاء أي إحتمالية لإعادة تصويره وجعل نسبة الخطأ تنخفض إلى الصفر وفي الوقت ذاته إلغاء أي وجود لمؤثرات بصرية في المشهد (فكروا مثلاً كيف تم غرس سكين في ظهر أوه دايسو ؟!). وفي حين يبدو تنفيذ مشهد كهذا صعباً عند الحديث عن سيناريو قتالي يجب تنفيذه إلا أن شان ووك نفّذ هذا السيناريو بدقة لا توصف لدرجةٍ قد نشعر معها بأن كل ما فعله شان ووك أن طلب من الكومبارس أن يضربوا الممثل وحسب !! كحال هذا المشهد وأهميته ، مشاهدُ أخرى مهمة فضّلت ترجمة شان ووك البصرية ألا تجعلها تبدو تقليدية ، منها مشهد الفلاشباك الذي يبحث فيه أوه دايسو عن غلطة عمره التي دفع حياته ثمناً لها : أوه دايسو رجل الأعمال الباحث عن الإنتقام يطارد في مشهد ذو فلتر خريفي باهت أوه دايسو اليافع في مدرسته الثانوية ويركض وراءه من مكان لآخر باحثاً عن السر الذي كلفه 15 عاماً من عمره ! 

في معالجة شان ووك أيضاً أرى رابطاً وثيقاً بسينما ديفيد فينشر، وفي الحقيقة أن جزءاً من تقديري لديفيد فينشر زاد مع هذا الفيلم. لطالما إعتبرت فينشر مخرجاً ممتازاً يصنع نوعية من الأفلام التي لا تبدو مهمة أو مختلفة بقدر ما تبدو (فينشرية) لو صح إعتبارها مصطلحاً لوصف نوعية الإثارة السيكولوجية التي رسخها في أفلامه . وأن يتتبع جيلنا أفلام مخرجين مهمين من جيله (مثل بول توماس أندرسون و سبايك جونز و ويس أندرسون و ألكساندر باين ولاحقاً كريستوفر نولان) هو أمر مفروغ منه ، من الطبيعي أن يصبح لمخرج مثل فينشر مريدوه من المشاهدين والمعجبين ، ومن الطبيعي مع مرور الزمن أن يصبح له أيضاً مريدوه من نقاد السينما. فينشر أصبح له في اعتقادي مريدوه من غيره من المخرجين أيضاً !! Oldboy فيلمٌ (فينشري) ، ولا يوجد مخرج تأثر به شان ووك وهو يصنع فيلمه هذا أكثر من ديفيد فينشر ! لا يتعلق الأمر فحسب بنوعية الإثارة التي يقدمها شان ووك هنا وهو أمر قد يسهل ملاحظته ، بل أيضاً بتلك التفاصيل الصغيرة التي حرّكت رحلة البطل : عبثية (لعبة الواقع) في The Game التي قدمها هنا فندق يستضيف ضحايا من المغضوب عليهم لفترات تمتد لعشرات السنين ، رعب الأماكن المغلقة والمنفذ الضيق الذي قدّمه فينشر في Panic Room عاد هنا بصورة أخرى ، الحقائق التي تتكشف في الطابق الأخير لناطحة سحاب على خلفية أضواء المدينة ودموية القتال اليدوي في Fight Club تُستذكر هنا مع واحدٍ من أعظم مشاهد القتال اليدوي في تاريخ السينما ، ثم الخطيئة التي تُصبح جزءاً من العقوبة المدمرة التي تأتي في صورة أكثر شخصٍ نحبه ، وعبثية التحولات المفاجئة ، والصدمات العنيفة ، ورعب المجهول ، ثم الصندوق في Se7en رسمت كل شيءٍ في ختام فيلم شان ووك هذا !  

في جوانب أخرى من رؤية شان ووك هنا يجب أن أمر على موسيقى تشو يونغ ووك التي تمزج اللحن العاطفي التقليدي بالموسيقى الأوبرالية مراقصةً في هارموني عظيم أحداث الفيلم العنيفة لحظة بلحظة على طريقة برايان دي بالما ! لا أستطيع أيضاً الحديث عن كاميرا جيونغ جيونغ هن دون الحديث عن مونتاج كيم سانغ بيوم حيث التناغم الذي يصنعانه هو انعكاسٌ لمعالجة شان ووك البصرية ورؤيته لكل مشهد : أين يبدأ وكيف ينتهي وكيف يتصل بما يليه. أشياء نلتمسها في الحيوية التي أضافاها للمشهد الإفتتاحي بالكاميرا المحمولة والـ Jump-cuts ، وفي فلتر الذكريات الخريفي - يتخلل فيلماً مصوراً بالإضاءة الطبيعية - والكاميرا المحمولة في مشهد الفلاش باك ، وفي الـ Close-up على وجه أوه دايسو في أغلب مشاهده ، وفي الوحشة التي منحاها لمشاهد الممرات الضيقة ، وفي مونتاج مشهد اللقاء الأول بين أوه دايسو وصاحب الفندق ، وفي مشهد القتال اليدوي ذو اللقطة الواحدة ، وبالتأكيد في (مشهد الحقيقة) الذي لا ينسى بزوايا التصوير والتشكيل بالأسود والأخضر وتناغم القطع بين لقطات أوه دايسو ولقطات ميدو والقطع اللحظي على وجه أوه دايسو بعد تصفحه الصفحة الأولى من ألبوم الصور ، ثم اللحظات التي يدمر فيها أوه دايسو ، قبل أن يأتي مشهد الإنتحار كتتويج لذلك التناغم. 

يو جي تاي في دور الشر المطلق والوجه القاتم لمركب الإنتقام جيدٌ إلى حد بعيد ولن أستطيع الذهاب أبعد من ذلك قياساً لحجم الدور ذاته. كانغ هاي جيونغ رائعة في دور ميدو. تصبغ بتلك التلقائية التي تمتلكها شخصية ميدو بنوع من البراءة التي تحتاجها والتي تحقق - مع تقدم الحكاية - هالة غموضٍ حول الشخصية تدفع بالتأثير الذي يحقق ازاحة الغبار عنها في الختام إلى ذروته.  تشوي مين سيك في دور أوه دايسو يقدم أداءاً آسيوياً جباراً ! جباراً بكل مافي الكلمة من دلالة ! عندما أشاهد تشوي في كل إعادة أكتشف كم كان تأثير أدائه عظيماً على العمل : أوه دايسو السكير ، أوه دايسو السجين ، أوه دايسو فاقد الهوية ، أوه دايسو المنتقم ، أوه دايسو المقاتل ، أوه دايسو الباحث عن الحقيقة ، ثم أوه دايسو الأوديبي ، ولعل الجزئية الأخيرة تشفع له وحدها ! أوه دايسو الأوديبي شيء لا يمكن الحديث عنه في أسطر ، ولا يمكن إدراك الأسى الذي يحمله للمشهد إلا بمشاهدته ، ومشاهدته تخوّلك لا إرادياً نسيان كل معالم الفيلم لتتأمل فقط ملامح وجهه وهي تتدرج من التساؤل ، إلى الصدمة ، إلى الغضب ، إلى الإنهيار. لست ممن يفضلون توجيه آراء غيرهم ، لكنه ربما واحدٌ من أعظم الأداءات التي قد تشاهدها في حياتك ! 

لم تمر بضعة أشهر على طرحه في دور العرض الكورية حتى حمل بارك شان ووك الفيلم الثاني في ثلاثية الإنتقام وذهب قاصداً الساحل اللازوردي لفرنسا ، ولم تمر بضعة أيام بعد ذلك حتى وقف جمهور مهرجان كان يصفقون لبارك شان ووك الذي وقف على إستحياء حاملاً ثاني كبرى جوائز المهرجان ليشكر لجنة التحكيم ، والممثلين ، وطاقم العمل ، والأخطبوط أيضاً ! 

"قد يُعامل الآن كحدث سينمائي هام ، لكنه سيغدو كلاسيكيةً خلال بضعة أعوام مقبلة" - الناقد وودي جاغرست

التقييم من 10 : 9 

نشرت هذه المراجعة في منتديات سينماك بتاريخ 29 يوليو 2005


هناك تعليقان (2):

  1. لاتعلم الان مدى سعادتي بالعثور على كنز مراجعات العذري !!
    فرحة و الله مابعدها فرحة .. !!
    أحفظ هذا الفيلم عن ظهر قلب .. !
    قمة الندم ..مشاهدةOLDBOY و لااقرا بعده مراجعتك !

    البلوج الان في المفضلة + اضافة على الفيس بوك
    اتشرف فيك أخوي ..

    Mohammed Bahjri ..

    ردحذف
  2. ونسيت تكتب اوه دايسو =الملقوف
    الفيلم يعلمنا ان نترك اللقافه والتدخل بامور الناس اللي ماتعنينا فدرجات الحقد تتفاوت وربما توصل الاحقاد كما فعل يو جي تاي
    عن نفسي فيه شخص اتمنى لو اقطع اردافه واتركه ينزف حتى الموت
    او اكب على جسمه من اسفل قاز واحرقه واخليه يتعذب
    فيلم يبين لنا مدى الحقد في نفوس البشر ويعملنا درس بان نترك اللقافه

    شكرا العذري

    ردحذف

free counters