•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

متابعات نقدية : ( الشبكة الإجتماعية ) كاسحٌ كالفيس بوك .. قليل الثغرات بخلافه


كتب : عماد العذري

على مدى الأيام العشرة الماضية تابع عشاق السينما بشغف النجاح الإستثنائي الكاسح الذي حظي به الفيلم الجديد للمخرج المرموق ديفيد فينشر The Social Network و المراجعات النقدية الكاملة التي نالها من غالبية نقاد السينما في الولايات المتحدة بصورةٍ دفعته ليكون واحداً من أكثر الأفلام مديحاً ليس على مستوى هذا الموسم السينمائي فحسب , و إنما على مستوى تاريخ الصناعة الهوليوودية بمجمله .

و الفيلم هو العمل السينمائي الثامن في مسيرة ديفيد فينشر , و الأول منذ الثلاثة عشر ترشيحاً التي نالها فيلمه الشهير The Curious Case of Benjamin Button و يمثل إستكمالاً للنجاحات المهمة التي حققها الرجل على مدى عقدين في أعمالٍ مثل The Game و Panic Room و Zodiac و على الأخص في فيلميه الشهيرين Se7en و Fight Club .

و يتطرق العمل الذي كتبه آرون سوركين ( كاتب حلقات The West Wing ) للفترة الفاصلة بين تحول موقع التواصل الإجتماعي الشهير Facebook من وسيلةٍ للتواصل بين مجموعةٍ من طلاب جامعة هارفرد إلى عملاق التواصل الإجتماعي الحديث و أحد أضخم و أهم مواقع الويب في الشبكة العنكبوتية , مراقباً عن كثب التغيرات النفسية الكبيرة التي عاشها مؤسسه الشاب مارك زوكيربيرغ , و و الضغوط التي تعرض لها و هو يواجه أقرب المقربين إليه و أعز أصدقاءه في حملات الدفاع عن الحقوق الفكرية التي يمتلكها في الموقع , و المنازعات القانونية التي واجه فيها زميل دراسته إدواردو سافرين الذي ساهمت مشاركته المالية السخية في وضع البذور الأولى لإنتشار الموقع الناشيء , و الدور الذي لعبه مؤسس Napster شون باركر في تلك الحقبة المصيرية من تاريخ الشبكة العنكبوتية .



و بدى العمل الجديد لفينشر أبعد بكثير من كل أعماله السابق , حيث يغوص فيه الرجل أعمق من أي فيلمٍ مضى في دواخل شخصياته و ينجح في ملامسة الأوتار الخفية التي يخبئها النص وراء البناء العام لتلك الشخصيات , ملامساً بطريقةٍ ممدوحة التوازن الصعب بين الحب و الكراهية , و الصداقة و العداء , و الولاء و الخيانة , في نفوس شخصيته الرئيسية , وفقاً للمديح الذي لقيه من نقاد السينما في الولايات المتحدة .

و فرض هذا الإستقبال المدوي هذا الفيلم – الذي توّجه منذ يومين بإعتلاء صدارة شباك التذاكر الأميركي – واحداً من أقوى المرشحين ليس فقط لحجز أحد المقاعد العشرة في ترشيحات الأوسكار في فئة أفضل فيلم , و لكن ليصبح الرقم الأصعب في الساحة في حملة السباق نحو الفوز بأوسكار أفضل فيلم لهذا العام , بالنظر للمستوى الرفيع الذي قدمه الفيلم على مستوى نص آرون سوركين , أو إخراج ديفيد فينشر , أو أداء جيسي إيزنبيرغ في الدور الرئيسي للفيلم .

و إنهالت عبارات الثناء و التقدير للفيلم من كل حدبٍ و صوب , حيث وصفه الناقد الكبير بوب مونديللو بأنه ( فيلمٌ ترفيهيٌ رائع , إثارةٌ غير إعتيادية تجعل من أخلاقيات العمل التجاري و التمييز الطبقي و نزاعات الملكية الفكرية أمراً مثيراً و جذاباً ) , و إعتبر الناقد الكبير روجر إيبرت في مراجعته بأن ( فيلم ديفيد فينشر يمتلك الجودة النادرة ليس فقط ليكون بذكاء بطله العبقري , لكن ليضاهيه في كل شيء , غروره , و صبره , و بروده , و إثارته , و غريزية إدراكه ) , و رأى فيه الناقد الكبير مايكل فيليبس في مقاله في الشيكاغو تريبيون ( أحد أكثر الأفلام إثارةً هذا العام ) , في حين إعتبره عددٌ من النقاد مثل ريتشارد رويبر و بيتر هول و ويلسون موراليس و ديفي لافوريست ( واحداً من أفضل أفلام العام ) .

و رأى الناقد الكبير جيمس بيراردينيللي في الفيلم ( أول الأفلام موسم الأوسكار لعام 2010 التي ترتقي إلى مستوى الترقب و التوقعات التي ترافقت معها ) , و كتب عنه الناقد الشهير ديفيد لا سول في السان فرانسيسكو كرونيكلز ( النص قوي , و دراما الخيانة كما لم تقدّم من قبل ) , و إعتبر شارلي ماكولوم بأنك ( ستدرك أن هذا الفيلم هو شيءٌ مميزٌ جداً منذ مشهده الأول ) , و رأى بيل غوديكوننتز بأن ديفيد فينشر ( بهذا الفيلم , لم يقدم فيلماً مقنعاً و حسب , إنه عملٌ عظيم ) , و وصفته ديانا ساينغر بأنه فيلمٌ ( متعدد الأوجه و رائع ) , في حين وصفه مايك سكوت بقوله ( مكتوبٌ بذكاء , يؤرخ بخبرةٍ لبزوغ فجر الفيس بوك , فيلمٌ كاسح , و غامرٌ , و من الصعب أن يقاوم , تماماً مثل موقعٍ إلكترونيٍ أعرفه ) !!

و في الوقت الذي رأى فيه بعض النقاد فيلماً عن الإنترنت , مثل ستيفن سيلفر الذي وصفه بـ ( أعظم فيلمٍ على الإطلاق عن التجارة الإلكترونية , و عن شبكة الإنترنت أيضاً ) , إعتبر آخرون بأن هذا الفيلم يذهب أبعد بكثيرٍ من ذلك , و أن عظمته الحقيقية تكمن في أنه يتجاوز فكرة الأبعاد المحدودة للزمان و المكان الذي يحيط بشخصيته الرئيسية ليصبح قراءةً معمقّة في النفس البشرية و في السلوك الإنساني الغريزي تجاه النجاح و محاولة الحفاظ عليه و حمايته مهما كان الثمن , و إعتبر الناقد دانيال هابسكمان بأن الفيلم هو ( فيلمٌ عن التأمل في مواجهة الصحيح للخاطيء أكثر من كونه فيلماً عن ولادة الفيس بوك , و هو أكثر تأثيراً بسبب ذلك ) , رأيٌ مقاربٌ لذلك الذي ذهب إليه جيم سلوتيك في مراجعته عندما قال ( في نهاية المطاف , فيلم ديفيد فينشر هو ليس فيلماً عن الفيس بوك بل عن الصراعات الإجتماعية المعقدة و المضنية التي أسفرت عن ولادته ) .

و لأننا نتحدث عن ديفيد فينشر تحديداً فمن الصعب ربما أن تمر إثارة الفيلم مرور الكرام في مراجعات النقاد , خصوصاً و هو يقدم ما وصف هنا بالبناء الأفضل لشخصياته و الدراسة السلوكية الأكثر عمقاً في جميع أفلامه , و هي أمورٌ على الرغم من وجوده لم تكن عائقاً أمام الرجل في الحفاظ على المستوى الرفيع من الإثارة الذي عوّد جمهوره عليه , و قال الناقد الكبير جو مورغنستيرن في مراجعته في صحيفة الوول ستريت بأن الفيلم ( يصل بك بسرعة إلى حالةٍ من البهجة , و يبقيك فيها - بطريقةٍ جميلة - لساعتين من الزمن ) , و كتب الناقد الكبير كولن كوفيرت ( فينشر يعطي القصة حيويةً و توتراً واضحاً و متماسكاً من خلال إثارته ) , و بدى كاري ريكي متحمساً و هو يكتب ( من المثير أن فيلماً يدور معظمه أمام شاشات الكومبيوتر , و نعلم جميعاً إلى أين ستؤول أحداثه في نهاية المطاف , يمتلك مذاق فيلم التشويق ) .

من جهةٍ أخرى إستخدم عددٌ كبيرٌ من النقاد مجموعةً من اليوميات المعاشة و المصطلحات المستخدمة في الفيس بوك للتعبير عن مشاعرهم تجاه الفيلم , حيث كتب الناقد الشهير جي آر جونز في الشيكاغو ريدر ( بمشاهدة هذا الفيلم , سيشعر مارك زوكيربيرغ كما لو أن أحدهم إخترق حسابه على الفيس بوك و قام بتغيير صورته الشخصية ! ) , و كتبت كريستي ليماير في الأسوشيتد بريس ( مثلما لا تستطيع أن تمنع نفسك من المرور على فيس بوك أكثر من مرةٍ في اليوم , ستجد نفسك مفتوناً بهذا الفيلم مراراً و تكراراً , إنه ببساطة واحدٌ من أفضل أفلام العام ) , أو كارينا مونتغمري التي قالت ( على خلاف الفيس بوك .. لا يوجد لديه ثغراتٌ حقيقية ) , أو بعض العبارات اللذيذة التي تناثرت هنا و هناك , مثل جيم فيجفودا الذي قال ( حقيقةٌ كبيرةٌ كما هو الفيلم ذاته : لو كنت تعرف هؤلاء الأشخاص في الحياة الحقيقية , لحجبتهم من حسابك على الفيس بوك ! ) , و ستيف كروم الذي وصفه بـ ( فيلمٌ يستحق أن ( تصادقه ) ) في إشارةٍ لعبارة ( أضفه كصديق ) الفيسبوكية , أو تايلر هانلي الذي إستخدم زر ( أعجبني ) الشهير للتعبير عن رأيه بقوله ( هناك الكثير ( سيعجبك ) في هذا الفيلم ) !

و كان لجيسي إيزنبيرغ الذي يقوم هنا بلعب دور مارك زوكيربيرغ نصيبٌ وافرٌ من المديح , خصوصاً بالنظر للتعقيد الكبير الذي كتب به آرون سوركين هذه الشخصية , و مقدار الإنقلابات النفسية المتكررة التي تعرضت لها , و هي الشخصية التي وصفها كيرك هونيكت في مراجعته في الهوليوود ريبورتر عندما كتب ( بطلٌ فاتنٌ و جذاب و محير و مثير للغضب يجعل من هذا الفيلم عن ميلاد الفيس بوك عملاً يجب مشاهدته ) , و جاءت جمل النقاد لتتناسب و هذا التعقيد , مثل آدم توبياس الذي إعتبر في مقاله بأن ( أداء جيسي إيزنبيرغ يساعد على جعل مارك زوكيربيرغ الشخصية الأروع و الأكثر تعقيداً منذ دانيال بلينفيو الذي قدّمه دانيال داي لويس ) , و هي عبارةٌ تبدو مثيرةً جداً للمشاهد الذي قلّما شاهد شخصياتٍ بمثل ذلك التعقيد يؤديها ممثلون بمثل تلك الطريقة الرائعة , أمرٌ عزاه روبرت باتلر في مراجعته إلى الهوس الذي يتمكن جيسي إيزنبيرغ من نقله للمشاهد من خلال التوغل عميقاً في روح و مباديء و قناعات مارك زوكيربيرغ و النظرة المستقبلية الطموحة التي كان ينظر بها لموقعه الناشيء و الإصرار و الحماس الذي كان يمتليء به و الذي دفعه ربما لمواجهة أقرب المقربين إليه في سبيل الدفاع عنه , و كتب باتلر ( براعة أداء إيزنبيرغ في أنك حتى عندما تفكر بتوجيه صفعةٍ لسخافة زوكيربيرغ لا يمكنك إلا أن تقف معجباً بإبداعه و طموحه و ولاءه للقوة المحتملة لثورة الإنترنت ) .


و شبّه إيريك هاينز الفيلم بالصحافة العظيمة , التي لا تنتهج المباشرة و التلقين في طرح قضايا هامة و غاية في الحساسية و العمق , و قال في مقاله بأن ( الفيلم ينجح من خلال التوجه الأساسي للصحافة في ( أن تعرض ) لا ( أن تقول ) , و مثل الصحافة العظيمة فإن الفيلم العظيم يمكن أن يلتقط واقعنا المعاش , و يصنع فناً من خلاله ) , في حين جاء رأي الناقد الكبير أوين غليبرمان في مراجعته في Entertainment Weekly تلخيصاً إلى حدٍ بعيد عندما كتب عنه ( فيلم ديفيد فينشر يمتلك كل ما تريد رؤيته في إثارةٍ تخاطب العقل : جرعات عالية من الأنا , و الرياء , و طعن الشركاء من الخلف , مع أداءاتٍ عميقةٍ جداً ) .

و إكتفى بعض النقاد بعباراتٍ و إن بدت رنانةً إلا أنها كانت كافيةً تماماً للتعبير عن الشعور العظيم الذي شعروا به أثناء مشاهدتهم لهذا الفيلم , كالناقد الشهير جو نيوماير الذي كتب في النيويورك دايلي نيوز ( بعد أسابيع من مشاهدته , ستطاردك لحظاتٌ منه ) , أو أندرو أوهيهر الذي تساءل في مقاله ( هل هو واحدٌ من الأفلام الأعظم هذا الخريف ؟ دون شك ) , أو ريتشارد كورليس الذي بدى خطابياً في مقاله في التايم عندما قال ( لفيلمٍ بهذا الغنى تنبعث كل الأصداء السينمائية و الأدبية ) , أو دي كي هولم الذي تأثر بنوعية العلاقات التي نسجها الفيلم بين شخصياته و حجم الشرخ التي أصابها في رحلة بحثها عن النجاح و الشهرة من خلال ثنائية الولاء و الخيانة , و إعتبره ( أحد أكثر الأفلام إثارةً للحزن في تاريخ السينما ) , بينما كان الناقد الكبير بيتر ترافيرز صريحاً و واضحاً و مختصراً في مراجعته في الرولينغ ستون عندما رأى فيه - ما يمكن أن يصبح رأي الكثير من النقاد مع ختام الموسم – ( أفضل أفلام 2010 ) .


free counters