•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

The Haunting

كتب : عماد العذري

بطولة : جولي هاريس ، ريتشارد جونسون ، كلير بلوم
إخراج : روبرت وايز

بين فيلميه الغنائيين الفائزين بأوسكار أفضل فيلم : West Side Story عام 1961 و  The Sound of Music عام 1965 قدم روبرت وايز كلاسيكية الرعب هذه عام 1963 إقتباساً عن روايةٍ لشيرلي جاكسون نشرت تحت إسم The Haunting of Hill House ، وتكريماً لمعلّمه المنتج ڤال لوتون الذي وقف وراء عددٍ من كلاسيكيات الرعب في هوليوود. يعرض الفيلم قصة إلينور فانس الشابة التي تجد متنفساً جديداً في حياتها البائسة من خلال إنضمامها إلى فريق الدكتور ماركواي عالم الأنثروبولوجي للتحقيق في الشبهات الغامضة التي تحوم حول منزلٍ مهجورٍ و غامض يُدعى The Hill House .

بالمفهوم التقليدي لا يقدم هذا الفيلم الرعب كصنفٍ خالص. يبدو مزيجاً من فيلم الغموض والإثارة ذو المسحة المرعبة ، وهو في هذه الجزئية تحديداً واحدٌ من التجارب النادرة في حقبته رفقة The Innocents الذي سبقه بعامين. بعيداً عن التصنيف السينمائي والقيمة الفنية للنص فإن هذا الفيلم يكشف عن موهبة روبرت وايز الإخراجية أكثر ربما من الفيلمين اللذين توجاه بالأوسكار – سابقاً ولاحقاً – خصوصاً إذا ما وضعنا بعين الإعتبار إدارة عملٍ كاملٍ أبطاله أربعة أشخاصٍ فقط وضعوا رهن جنون الإرتياب ضمن موقع أحداثٍ واحد ، في حقبةٍ إنشغلت فيها أفلام الرعب الأخرى بتقديم المسوخ والشعوذة والرعب القادم من الفضاء كمحاولةٍ للقفز بعيداً عن كلاسيكيات دراكيولا و فرانكنشتاين التي سيطرت على الصنف لعقود .

في هذا المسعى يوظف روبرت وايز كاميرا مصوره ديفيد بولتون لخلق رهبةٍ غريبةٍ تجاه المكان. يبدو فيه و كأنما يستفيد كثيراً من تحفة ألفريد هيتشكوك الشهيرة Psycho لإضفاء حس الغموض والإخافة على المكان الرهيب ، لكن مع عملٍ أكثف على التصوير الداخلي لصنع إحساسٍ هلوسيٍ مُهندَسْ يضفي عليه اللونان الأبيض والأسود ثُقلاً ومعنى يجعل مجرد صنع نسخةٍ ملونةٍ من هذا الفيلم مغامرةً غير محسوبة .

لتدعيم ذلك الإحساس يعتمد النص في أساسه على أحاديث إلينور الداخلية التي يُحمّلها إخراج روبرت وايز بالكثير من الطاقة الوهمية عن نداءٍ خفيٍ يجذب الشابة المضطربة نحو هذا المنزل الغامض. هذه الأحاديث تصنع الثقل الرئيسي للنبرة الهلوسية للعمل ، وتتضافر بقوة مع العمل الإخراجي الكبير لروبرت وايز على مستوى إدارة الكاميرا وتركيب الصور (لقطات ألمانية ، عين السمكة ، عناصر في ثلثٍ طرفيٍ من الكادر ، مساحات واسعة لمرايا وانعكاسات وتماثيل) لتخلق الحالة المطلوبة من البارانويا التي تصيب عادةً أشخاصاً يقيمون في مكانٍ مخيف لمدةٍ معينةٍ من الزمن  !

ولأن الفيلم لا يبنى على نصٍ قوي بشكلٍ حقيقي على مستوى صناعة الحدث وتدفقه ، وهي أهم ثغراته ، يرمّم روبرت وايز بعضاً من ذلك من خلال إعتماده على ما وراء النص ، مكثّفاً على إيصالٍ نوعٍ من الأحاسيس الخفية المريبة تجاه شخصياته المختلفة : غموض الدوافع التي تسيّر الدكتور ماركواي في بحثه الغريب هذا ، والفوكسة المفاجئة في منتصف الفيلم على غموض ثيودورا ، والشعور غير المريح الذي يزرع في المشاهد مع كل إطلالةٍ للخادمة ، والعاطفة النامية في قلب إلينور تجاه ماركواي ، واللامبالاة العجيبة التي نشاهدها في ماركواي أثناء بحثه عن إلينور الهلعة على الرغم من جهله بمصير زوجته المختفية ، والأسرار التي لا نعرفها عن ماضي إلينور وما الذي يجبر شابةً في مقتبل العمر على خوض تجربةٍ مخيفةٍ كهذه ! كل هذا يوظف بشكلٍ جيد إلى حدٍ بعيد ويصل بصورته المطلوبة ليتوج العمق الحقيقي للعمل. الفيلم يتناول حقيقة أن الناس يريدون تصنيفاً سهلاً للأشياء ، يبحثون عما يُرضيهم حتى لو لم يكن حقيقياً ! من النادر أن تشاهد فيلماً قيّماً في هذا الصنف لا يبدو فيه الخصم (أو الطرف الآخر من المعادلة) حقيقياً بصورةٍ واضحة ، أو بمعنى آخر قد لا يكون هناك خصمٌ في الأساس ! روبرت وايز يستغل بشكلٍ جيد كمّ الأحاسيس والمشاعر المتباينة التي زرعها فينا طوال الأحداث من خلال الغرائبية المستترة في كل شخصيةٍ من شخصياته ليجعلنا حائرين تماماً في الختام أمام صورةٍ مجازيةٍ لأعقد سؤالٍ في تاريخ الإنسان : من هو الطرف الآخر في المعادلة ؟ هل كان منزلاً مسكوناً بالفعل ؟ أم أن الخوف الحقيقي في حياة كل إنسان نابعٌ في الواقع من ذاته ؟ هل عشنا تجربةً غير طبيعيةٍ بالفعل مع شخصيات العمل ؟ أم أن هناك من دبّر مؤامرةً ذكية كي يحصل على المنزل بأقل سعرٍ ممكن ؟ في الختام نصابُ بحالةٍ تأمليةٍ غريبة نواجه فيها الكثير من الأسئلة ، ونكتفي بأن نأخذ – كلٌ بحسب طريقة تقبّله لما شاهد – التصنيف الأسهل للأمور ، ربما تماماً كما أراد الفيلم لنا  !

حالاتٌ قليلة شعرت فيها برغبةٍ في التصفيق لـ (العملٍ الإخراجيٍ) في فيلم رعب. وهنا ، بإدارته الذكية للصورة والمونتاج لخلق تكثيفٍ ممنهج على التفاصيل الغريبة فقط في شخصيات أبطاله (وجميعنا في الواقع نمتلك بعض التفاصيل الغريبة في شخصياتنا) لتبدو مؤثرةً في البعد الهلوسي للعمل ، خادماً القيمة الفنية للفيلم عن غريزة التقبل والرضا غير الحقيقيين ، جعلني روبرت وايز أشعر بتلك الرغبة في التصفيق مجدداً .

التقييم من 10 : 8.5


0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters