•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الأحد، 12 ديسمبر 2010

The Ghost Writer

كتب : عماد العذري

بطولة : يوان مغريغور , بيرس بروسنان
إخراج : ورمان بولانسكي


يسرد علينا الفيلم الفائز مؤخراً بالأوسكار الأوروبي قصة سيناريست بريطاني يوافق على التصدي لكتابة مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق آدم لانغ عقب الوفاة الغامضة لكاتب المذكرات السابق , لكن الرجل يكتشف بأن ما بدى أولاً باباً مفتوحاً نحو ما يفترض أن يصبح بالنسبة له ( فرصة العمر ) , قاده إلى معرفة الكثير و الإقتراب أكثر من أي شخصٍ آخر من حقائق لا يعرفها أحد حول رئيس الوزراء السابق المتهم بمجموعةٍ من جرائم الحرب إبان فترة ولايته .

لوهلة يبدو أن توقيت إطلاق هذا الفيلم كان ممتازاً بالفعل , خصوصاً و هو يأتي في ذروة الأزمة التي رافقت إلقاء القبض على المخرج الكبير رومان بولانسكي أثناء حضوره لتسلم جائزة شرفية في مهرجان زيوريخ السينمائي في سويسرا , ربما من واقع أنه يأتي في هذه الفترة للتأكيد على قيمة مخرج في وزن بولانسكي , لكن و على الرغم من أن الأمر هو مجرد مصادفةٍ بحتة , إلا أننا مع ذلك لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن هذا هو أفضل أفلام بولانسكي بالفعل منذ 8 أعوامٍ كاملة عندما ظفر بالسعفة الذهبية و السيزار و البافتا و الأوسكار عن رائعته الشهيرة The Pianist عام 2002 , منذ ذلك الحين لم يقدم رومان بولانسكي سوى عملٍ واحد لا يحمل من هيبة إسمه إلا الإسم فقط , و كأن بريق مخرج Repulsion و Chinatown و Macbeth و Rosemary’s Baby قد إختفى فجأة لقرابةٍ عقدٍ من الزمن , إطلاقُ هذا الفيلم جاء ليقول بوضوح بأن الرجل ما يزال يحمل في جرابه الكثير .

هناك جزئيتان فتنت بهما في هذا الفيلم , الأولى هي مهارة بولانسكي العجيبة في ضبط الإيقاع في هذا الفيلم , و تمكنه من الإرتفاع بإثارة الفيلم و غموضه من العدم ( و أكاد لا أبالغ في ذلك ) في طريقه نحو نهايته الدراماتيكية , عجيب أمرُ بولانسكي هنا , عندما إنتهى هذا الفيلم إسترجعت في ذاكرتي كل ما حدث : الطريقة التي وظف بها بولانسكي الموسيقى التي تنسل تحت الجلد , و أسلوب المونتاج المستخدم , و الولع بالتفاصيل و إلتقاطها , وظف ذلك من أجل التقدم بالأحداث تدريجياً ( و يمكن القول تخدير المشاهد ) ثم إعطاء دفعة غموض مفاجئة للحدث , و هي دفعةٌ و إن كانت أشبه بحلقةٍ مفقودةٍ في منتصف سير الأحداث الأمر الذي أفقد النص بعضاً من إقناعه و منطقيته , إلا أن الإثارة لا تلبث معها أن تتصاعد في إيقاعٍ مضبوط نحو خاتمةٍ من النوع الذي لا يروقني تماماً و إن كانت معمولةً بنفس بولانسكي المعهود .

الجزئية الأخرى التي فتنتني هنا هو ذلك الإحساس الحميمي المدروس الذي تمكن بولانسكي من خلقه في مُشاهده و هو يضعه قريباً جداً من حياة أحد السياسيين , لا أتذكر أنني شاهدت فيلماً يتناول حياة السياسيين عن قرب يمتلك هذه الحميمية و الصدق , و هو في هذه الجزئية يتفوق حتى على The Queen بالرغم من كم الحميمية الذي بثه ستيفن فريرز في فيلمه , طوال الفيلم ستشعر بأنك قريبٌ جداً مما يجري , ستشعر بالفعل بأنك في منزل آدم لانغ , تقف عن كثب على صناعة الحدث , و في هذه الجزئية تحديداً يبدو الفيلم قريباً من فيلم In The Loop الذي شاهدناه العام الماضي مع إختلافٍ طبعاً في البنية و الحدث .

فوق ذلك أرى رومان بولانسكي وفياً هنا لروح أشهر فيلمٍ في مسيرته الطويلة Chinatown , ربما تتذكرون تلك العبارة الشهيرة من فيلم الحي الصيني ( تعتقد أنك تعرف جيداً مالذي تتعامل معه , لكن صدقني أنت لا تعرف ) روح هذه العبارة يبدو واضحاً في هذا الفيلم , و مجدداً لا تبدو الصورة كما هي عليه , و مجدداً يعود بولانسكي بفيلم غموضٍ جذاب و أنيق الصورة عن الحاجة للنظر أبعد مما قد يتصور الأخرون , و الغوص أعمق مما يبدو للوهلة الأولى .

جزءٌ كبيرٌ من قيمة هذا العمل و من إحتفاء النقاد و المشاهدين به يكمن في الإحتفاء برومان بولانسكي ذاته , و هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أنهم يشاهدون فيلماً كهذا كل يوم , و إنما لأن الثقل الحقيقي للقيمة الفنية لهذا العمل – و بصورةٍ أفضل بكثير مما حدث مع سكورسيزي مطلع العام – نابعٌ في الأساس من قدرة مخرجٍ كبير مثل رومان بولانسكي على العودة بدراما سياسية غامضة عن الكواليس الخفية في أماكن صناعة القرارات التي تسيّر العالم , و القدرة على الحفاظ عليه متزناً في إيقاعه , مثيراً في حدثه , هجائياً في جوهره و روحه .

التقييم من 10 : 8

free counters