بطولة : كودي سميت ماكفي , كلوي موريتز , ريتشارد جينكينز
إخراج : مات ريفز
إعادة تقديم فيلم رعبٍ متواضع التكلفة تحوّل إلى كلاسيكيةٍ بمجرد إطلاقه قبل عامين هو تحدٍ ليس بالهيّن وقد لا يخفي ملامح الإستغلال التجاري ، خصوصاً إذا ما علمنا أن العمل الأصلي هو إنتاجٌ سويدي ، ونسخته الجديدة هي هوليوودية المنشأ والهوى ! مع ذلك ، ليس من الضروري أن تصدق توقعاتنا دائماً ، ومن الجميل من حينٍ لآخر أن نجد أنفسنا مستمتعين بإعادةٍ سينمائيةٍ جيدة ، كما هو الحال مع فيلمنا هذا.
في محور القصة – والتي تقتبس روايةً ناجحةً للكاتب السويدي جون أشفيد لينكفيست كما هو الفيلم السويدي – هناك أوين ، فتىً في الثانية عشرة من عمره معزولٌ إجتماعياً عن بقية زملاءه في الصف أو جيرانه في المنطقة ، ربما بسبب حجم الإيذاء والسخرية الذي يتعرض له على الدوام من قبل أقرانه في المدرسة. ذات مساء يلتقي بآبي , الفتاة التي تماثله عمراً والتي إنتقلت مؤخراً إلى المنزل المجاور لمنزله. آبي لا تختلف عنه كثيراً في عزلتها وإنطوائيتها ، وفي غموضها أيضاً ، مع جزئيةٍ إضافيةٍ وجوهرية : آبي لا تظهر إلا ليلاً ! مع ذلك ، يجد أوين في آبي مكمّلاً روحياً له , ويأخذ البعد العاطفي بينهما مأخذه في الوقت الذي تتصاعد فيه الأنباء عن جرائم قتلٍ غامضةٍ تحدث في الجوار .
لا يبدو عمل مات ريفز هنا مختلفاً جوهرياً على المستوى البصري عن عمل توماس ألفريدسون ، بالعكس تماماً هو يجاريه كثيراً إلى درجة التطابق أحياناً في الثيم اللوني والترجمة البصرية لبعض المشاهد. مع ذلك، يحاول مات ريفز جاهداً أن يبدو في هذا الفيلم وكأنما يقتبس الرواية الأصل أكثر من الفيلم السويدي وإن كان من الصعب احصاء أركانٍ أساسيةٍ على مستوى الحدث يمكن أن تشكل فارقاً حقيقياً بين النصين. يبدأ ريفز فيلمه هذا بطريقةٍ مختلفة عن الأصل لتوليد إنطباعٍ جيدٍ في البداية بأن ما ستشاهده هنا سيكون مختلفاً عما شاهدته هناك ! البداية ستكون هذه المرة من منتصف الأحداث تقريباً ، في لوس ألاموس بولاية نيو مكسيكو الأمريكية عام 1983 ، وما أن تنتهي البداية ويُقلع الفيلم في رحلته حتى نكتشف بأن ذلك الفارق الحقيقي بين الفيلمين – وأتحدث هنا فقط على مستوى الحدث – هو فارق وهميٌ ولا وجود له ! وبرغم ذلك التطابق إلا أن روح النصين مختلفةٌ إلى حدٍ بعيد وهنا يكمن العمل الحقيقي لريفز. نص مات ريفز يجرّد النسخة السويدية من حياديتها. الحيادية التي شاهدناها بوضوح في تغليب النكهة الشاعرية على كلا المحورين في القصة (محور الحب و محور الرعب). الفيلم الجديد يفصل محوري القصة بوضوح ، ربما كنوعٍ من الولاء للتقاليد الهوليوودية المعروفة في صناعة فيلم الرعب ، حيث يكثف ريفز النكهة الشاعرية على قصة الحب وحدها ويغذيها ويهتم بها , في حين يجرد الجزء المرعب في الفيلم من شاعريته تماماً ، فيقدمه لنا صارخاً ومتوحشاً وقاسياً وفيه الكثير من أفلام الرعب الهوليوودية .
معالجة الحكاية بهذه الطريقة لا تتحقق بسهولة وتستلزم عملاً مختلفاً في التأسيس للحدث والشخصيات. في البداية يحاول ريفز خلق شعورٍ أكبر بالأسى تجاه الأذية المتكررة التي يتلقاها أوين من زملائه في الصف. يحاول القفز على توقعات الجمهور فيحفر بشكلٍ مكثف وممنهج في عزلة الفتى ومراقبته لجيرانه ويجعلها أكثر وضوحاً وتأثيراً ، لكنه للأسف يجعلها أيضاً أقل منطقية ، على الأقل لن يستطيع المرء تجاهل غياب الوالدين الواضح أو الغياب الغريب لسكان الحي لساعةٍ كاملة من العرض في عمل مات ريفز هذا ، وهو أمرٌ يهز منطق المعالجة في هذا المسعى. إضافةً لذلك يمنح مات ريفز لمحور الحب في الفيلم دفعاً عاطفياً غنياً من خلال تدعيم الهاجس الرومانسي لدى الطرفين وتوظيف الدفع العاطفي الذي يقدمه كودي سميت ماكفي و كلوي موريتز للشخصيتين والذي ينتج هنا رومانسيةً أكثر حميميةً ودفئاً مما شاهدنا في الأصل السويدي الذي طبع رومانسيته البرود الإسكندنافي المعتاد. ليس هذا فحسب بل أن ريفز يمنح القوة ذاتها للفراق المؤقت الذي يحدث للشخصيتين فيبدو هنا أكثر جماليةً وأقوى تأثيراً .
أجمل ما في هذه المعالجة أنه تمنح عمقاً أكبر للصورة الغامضة والمريبة لعلاقة آبي بـ(والدها) الذي يعترض على العلاقة التي تقيمها إبنته مع جارهم الخجول. الصورة هنا أوضح بكثير من الأصل السويدي. الوالد ما هو إلا صورةٌ أكبر من أوين ذاته ، حبٌ قديمٌ أحبته آبي وبقي معها طوال هذه السنين ، يرعاها وينفق عليها ويحرص على راحتها ، لكنه تقدّم في العمر الآن بينما بقيت آبي على حالها. أوين هو حبها الجديد الآن ، الذي سيأخذها من مكانٍ لآخر ، وسيصبح الغطاء البشري لها أمام المجتمع. هذه الجزئية منحت قصة الحب بعداً أعمق يضرب في صميم ديمومتها وبقاءها وحقيقيتها وأساها .
في المحور الآخر من الفيلم (محور الرعب) يعتمد مات ريفز على تقاليد صناعة أفلام الرعب الأمريكية ، فيوظف موسيقى مايكل جياكينو وإضاءة ونوعية لقطات مدير التصوير غريغ فرايزر في خدمة هذا المحور بطريقةٍ تجعل الترجمة البصرية هنا مستقلةً بحد ذاتها وأقل ولاءاً للأصل السويدي بالرغم من تطابق الثيم البصري / اللوني للعملين إلى حدٍ كبير. من أجل ذلك يعمد ريفز إلى تقديم هذا المحور بصورةٍ أكثر قسوةً ودمويةً وعنفاً ، مجرّداً إياه تماماً من النفس الشاعري الجميل الذي كان طاغياً على لوحات الرعب المرسومة في الأصل السويدي. حقيقةٌ يمكن أن نلحظها مثلاً في مشهد النفق الشهير حيث ترتكب آبي إحدى جرائمها و هو مشهدٌ يقدمه مات ريفز في لقطةٍ أقرب و بكلوز آب ختامي على وجه آبي المتوحش يفقده شاعريته لكنه يمنحه انتماءًا واضحاً لتقاليد فيلم الرعب الأمريكي. بطريقةٍ مماثلة يأتي مشهد المرأة المصابة التي تحترق عند تعرضها لأشعة الشمس والذي يبدو مثالاً نموذجياً أيضاً على الرؤية البصرية لمات ريفز في معالجة هذا المحور من الحكاية من خلال إنفجاريةٍ أقوى تولد دماراً أكبر لكن بشاعريةٍ أقل !
وعلى الرغم من أن تجريد الأصل السويدي من حياديته (الشاعرية) ولّد عملاً أقل فانتازيةً من العمل الأصلي ، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا المسعى أنتج شيئاً أفضل ، خصوصاً ونحن نتحدث في الأساس عن فيلم (رعب) حيث لا يكون التجرد من البعد الفانتازي للنوع انتصاراً أو قيمةً لذاته ! لكن ما أراه يحسب بالفعل لمات ريفز هنا هو توظيفه الممتاز لإنفجارية الرعب المتوزانة في الوقت ذاته مع شاعرية القصة العاطفية من أجل القضاء على روتينية ما يتوقعه المشاهد منه ، خصوصاً ذلك الذي أحبّ العمل الأصلي أو شاهده ، وهو أمرٌ يخدم النتيجة النهائية .
في الختام طريقة تقبل المشاهد لهذا العمل تتعلق بنوعية المعالجة التي يميل إليها في فيلم رعبٍ كهذا. جزء من المشاهدين سيعجب بالفيلم الجديد ، بإنفجاريته وعنفه اللتين تراقصان شاعرية علاقة الحب التي يقدمها ، وجزءٌ آخر – وأنا منهم – سيميلون أكثر للأصل السويدي ، ببروده الظاهري ودفئه الداخلي وشاعريته المتدفقة حتى في أكثر لحظاته قسوةً وعنفاً .
التقييم من 10 : 8