•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الخميس، 23 ديسمبر 2010

Winter’s Bone

كتب : عماد العذري 

بطولة : جينيفر لورانس , جون هوكز 
إخراج : ديبرا غرانيك 

في الحقيقة لا أستطيع أن أرسم بدقة نوعية المشاعر التي تملكتني بعد الإنتهاء من مشاهدة الفيلم المتوج بالجائزة الكبرى في فئة الدراما من مهرجان ساندانس الأخير. هل هي خيبة أمل ؟ أم إحساس بعدم فهم ما جرى ؟ أم نوع من المكابرة وتأنيب الضمير تجاه أي إحساس سلبي إنتابني أثناء مشاهدة الفيلم ؟ لكن ما أثق به تماماً الآن بأن تلك المشاعر لم تكن مشاعر لحظية أو مؤقتة ، هذا الفيلم هو خيبة الأمل الكبرى بالنسبة لي هذا العام ! 

القصة عن ري دولي ، فتاة من شعب الأوزارك في السابعة عشرة من عمرها ، تُعيل شقيقيها في ظل عجز والدتها وهروب والدها من مسئولياته. تزداد الأمور سوءاً عندما تعلم ري بأن المنزل الذي يقطنونه أصبح مهدداً بالحجز إذا لم يظهر والدها – المجرم السابق – أمام السلطات ويقوم بدفع الكفالة المفروضة عليه من قبل القضاء ، و أمام الفتاة الآن أيامٌ معدودة كي تعثر على والدها وتمنع أسرتها الصغيرة من التشرد . 

 حتى الآن الأمور على ما يرام ، لدينا قصةٌ جيدة ! لكن ما عدا ذلك - و بإستثناء أداءٍ جيد تقدمه جينيفر لورانسلم يقدم الفيلم شيئاً على مستوى النص. مشكلة هذا النص أنه يفترض ، وهذا النوع من النصوص أمقته. تنبع ردود الفعل في هذا النوع من النصوص من الخارج (من اليد العليا للسيناريست) وليس من الداخل (حيث بنية الشخصيات ذاتها). يبني هذا النوع شخصياته ويبني علاقاتها ببعضها وردود فعلها تجاه ما يجري من حولها على إفتراض ما يجري و ليس خلق ما يجري. النصوص العظيمة تخلق ظروف ودوافع ومبررات ودواخل شخصياتها ثم تسمح لعقل المتلقي أن يتقبل ما يراه بسلاسة دون أن تكون بحاجة لإخباره أساساً بما يجرى. هذا النص ، على النقيض ، يفترض ما يحدث ويفرضه على المشاهد دون أي أرضية ويطالبه بأن يتقبله. ردود الفعل التي يعرضها هنا مفروضة على المشاهد دون أي تبرير أو تمهيد. يُخبر الشريف ري بأنها ستُطرد مع عائلتها من المنزل فتُعلن – دون أي إنفعال نابع من الخبر الصادم على الأقل – أنها ستعثر على والدها وتجلبه إلى المحكمة ! ردود الفعل التي نتلقاها من عمها أو من صديق والدها حديّة بطريقة مبالغ بها لكننا نجبر أن نتقبلها حتى و إن لم نجد لها تفسيراً ! والغريب أن شخصية العم ذاتها تنقلب بطريقة حديّة أيضاً لتصبح النصير الأول للفتاة دون أي مبرر أو نقطة تحول أيضاً ! قريب والدها يأخذها - بصورةٍ نُجبر على تقبلها – ليخبرها ان والدها قُتل في إنفجار ، ويتعامل معها بحديّةٍ لا تتناسب مع طلبه اللاحق أخذ شقيقيها ضمن وصايته على الرغم من أن الشخصية مقدمة بطريقةٍ لا تجعلها تبدو من النمط الذي يُقدّم عروض وصايةٍ كهذه ! وفوق ذلك تظهر شخصية العجوز ثامب ميلتون لتبدو أقرب إلى شخصيةٍ هزليةٍ في نمط الغموض والجدية والقسوة التي تحملها على الرغم من تقديمها في فيلمٍ يحاول أن يكون جاداً وقريباً من الواقع قدر ما يستطيع. تتجلى تلك الهزلية عندما تأمر هذه الشخصية بضرب وإيذاء فتاةٍ في السابعة عشرة من عمرها مع أنها قادرة بكل بساطة أن ترفض التعاون معها ! والمدهش – والمثير للسخرية أيضاً – أن الشخصية ذاتها تصبح متعاونةً مع ري لاحقاً لسببٍ غير مفسر ! لا تبدو تلك الجزئية متعلقةً بالعجوز ثامب وحده ، جميع الشخصيات في النصف الأول من الفيلم كانت قاسيةً وفجة وعدوانيةً في تعاملها مع ري ، لكنها تحولت فجأة دون تبريرٍ منطقي إلى شخصياتٍ متعاونةٍ وخدومةٍ في نصفه الثاني . 

ومع أن المنطق في هذه النوعية من الأعمال التي تحمل مسحة الغموض في أحداثها يفترض أن يكون (الحدث) فوق مستوى المحاكمة إلى أن تبدو الصورة الكاملة للمشاهد ، إلا أن إكتمال الصورة هنا – في ختام الفيلم – لا يُضيف أي شيءٍ للمشاهد ولا يجعله يرتد إلى الوراء قليلاً ليستوعب ويفسر و يفهم ما جرى لأنه – ببساطة – لن يجد إجاباتٍ واضحة ومنطقية لما شاهد. يبدأ الفيلم بإفتراضات : شخصيات مفترضة الدواخل ، ودوافع إفتراضية ، وردود فعل إفتراضية ، ثم ينتهي بمعادلةٍ لا تجعل هذه الفرضيات صحيحة إطلاقاً ! يبدو فيلم ديبرا غرانيك بنظري مجرد محاولة إستغلال سيئة للمكان والعرق الذين يُقدمهما. أحداث هذا الفيلم يمكن أن تجري في أي مكانٍ في أميركا , لكنها تجري – عمداً - في هذه الأحراش النائية التي يقطنها شعب الأوزارك في ميزوري ! تستغل ديبرا غرانيك هذه الجزئية و لا تُغنيها بأي قيمةٍ حقيقيةٍ تجعل لهذه الخلفية (البصرية / الثقافية) أي تأثيرٍ أو خصوصية في صناعة الحدث أو تغذية دواخل الشخصيات. الغريب أن هذا البُعد تحديداً هو ما ضرب نقاد السينما في هوليوود عند إستقبالهم لهذا العمل ! فُتنوا – كما حدث لهم العام الماضي مع Precious - بالصورة الميلودرامية الإستبكائية التي يشاهدونها لفتاةٍ في السابعة عشرة من عمرها تواجه مصاعب الحياة من حولها في بيئةٍ لم يعتادوا مشاهدتها بهذه الصورة على الشاشة الكبيرة ! 

وبالرغم من الأداء الجيد الذي تقدمه جينيفر لورانس هنا ، إلا أنني لم أشعر للحظة بأي تعاطفٍ تجاهها ، تماماً كما لم أشعر تجاه أي شخصيةٍ في الفيلم بأي نوعٍ من التفهم والتقبل. قصةٌ تَفترض أنها غامضة ومؤثرة وعاطفية وتُلقي نظرة أسى على مجتمع وبيئةٍ غريبةٍ وقاسية ، لكنها تحتفظ بإفتراضها وتعجز – برأيي – عن جعل المشاهد يُغمر فيه ويتقبله. أجمل ما في هذا العمل أنه قدم لي مثالاً من السهل أن يتبادر إلى الأذهان مباشرةً عند توضيح حقيقة أن (الأداء وحده لا يصنع فيلماً جيداً). 

التقييم من 10 : 5


free counters