•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الجمعة، 14 يناير 2011

True Grit

كتب : عماد العذري

بطولة : جيف بريدجيز , هايلي ستينفيلد , مات ديمون , جوش برولين
إخراج : جويل كوين و إيثان كوين .


قلةٌ من المخرجين أترقب بلهفةٍ جديدهم كل عام , الكوينز أحد هؤلاء دون شك , خصوصاً عندما يكون جديدهم هو إعادةٌ لكلاسيكية ويسترن شهيرة توّجت أعظم ممثلي الويسترن عبر العصور جون واين بجائزة أوسكار إنتظرها كثيراً , القصة عن ماتي روس , إبنة الرابعة عشرة التي تستأجر مارشالاً سكيراً يدعى روستر كوغبورن لصيد توم تشيني , الأجير الذي قتل والدها عندما كان يعمل عنده , يلتقون لابيف أحد حراس تكساس الذي يشاركهما المسعى ذاته , و ينطلقون معاً – بإختلاف رغباتهم - في رحلة ستبقى في ذاكرتهم للأبد .

الكوينز يفتتحون فيلمهم الخامس عشر كما نحبها منهم , يختزلون فيلمهما مبكراً بعبارةٍ أزليةٍ تبدو مقدمةً جميلة لهذه الإعادة السينمائية ( يهربُ الشرير عندما لا يطارده أحد ) , الفيلم المقتبس عن روايةٍ لتشارلز بورتيس يبدأ بواحدٍ من أجمل المشاهد الإفتتاحية التي قدمها عام 2010 ( أشعر بأنني قلت هذه العبارة كثيراً خلال ذلك العام ) , واحدة من أكثر مقطوعات الكوينز شاعريةً , نستمع فيها لمقدمة الحبكة من خلال صوت ماتي تروي القصة في كبرها , صورةٌ مبكرة جداً للنهج الذي سينهجه الأخوان في إعادة تقديم هذه الكلاسيكية , و لن يستطيع المشاهد إغفال النبرة الكلاسيكية الواضحة الطاغية على العمل منذ مشهده الإفتتاحي الجميل , أمرٌ لم نلمسه إطلاقاً بهذه القوة في أيٍ من أعمال الكوينز الأربعة عشر السابقة .

الرغبة بصناعة كلاسيكية سينمائية و محاولة خطب ود هذا النهج في سبيل صناعة رائعة ويسترن جديدة لا يتوقف عند حدود تلك المقدمة الجميلة , الكوينز ينهجون هذا النهج حتى على مستوى تقديم الشخصيات و نوعية الأداءات المقدمة لها , إضافةً إلى أسلوب إدارة الكاميرا و مونتاج الفيلم , و حقيقةً فإن هذا النهج بحد ذاته يكون كفيلاً بخلق جاذبيةٍ واضحةٍ للعمل مع كوننا لم يسبق لنا أن حظينا بتجربةٍ مماثلةٍ مع جويل و إيثان كوين تحديداً .

و مع ذلك لا يترك الكوينز بهاراتهم بعيداً عن هذا الإناء الجديد , شعورنا بتلك الإشارات التوراتية الخفية لا يمكن تجاوزه و القفز عليه , رحلة الإنسان في دروب الخوف مطارداً الشر بحثاً عن الطمأنينة , حزقيال في وادي العظام الجافة , و مشهد طبيب الأسنان الهندي الجوال الذي ينضح بمذاقٍ كوينزيٍ أصيل لطالما عودنا عليه الرجلان و هما يقدمان أكثر من مرة شخصية الغريب الذي نلتقيه في طريقنا و يبدو و كأنما هو خارجٌ من حلمٍ أو كابوس , كل هذه التفاصيل نشعر بها و نتلمسها – بوضوحٍ أحياناً – و نشعر مع وجودها بالكثير من الطمأنينة : على الرغم من كلاسيكية العمل إلا أن الكوينز لم يخلعا سترتهما بالكامل !

الأمر لا يقف عند هذا الحد , نشعر بأكثر من مجرد الطمأنينة من خلال الكوميديا اللذيذة التي لطالما إعتدناها من جويل و إيثان كوين و التي تنسل برقة من حينٍ لآخر , المشهدية رفيعة المستوى التي لطالما أجادها الرجلان , مبكراً جداً نرى ماتي روس تفاوض تاجراً للخيول في إسترداد ثمن المهور التي باعها لوالدها , مشهدٌ يذهب فيه الكوينز بعيداً في التأسيس لشخصية بطلتهما , قوتها و حذقها و عزيمتها التي لن تلين , و عندما يظهر روستر كوغبورن للمرة الأولى في مشهد محاكمته ندرك تماماً بأن الكوينز سيلعبون هذه اللعبة بطريقتهما الخاصة , و سينجحون في خلقٍ نوعٍ من التواصل الحقيقي مع دواخل شخصيتي الفيلم الرئيسيتين من خلال مشهدين متتاليين يرسمان ملامحها على الطريقة الكلاسكية المعتادة لكن من خلال إيقاعٍ كوينزي رائع جعل النصف ساعة التمهيدية لهذا العمل واحدةً من الأفضل في أكثر من ربع قرنٍ بلغته مسيرتهما .

مشاكل الفيلم تبدأ بعد ذلك , عندما تبدأ رحلة الشخصيات الثلاثة , منذ اللحظة التي يقرر لابيف الإنفصال عن ماتي و كوغبورن , لم أستطع أن أتجاوز حقيقة أن السيناريو هنا يبدأ في محاولة تسيير مُشاهده بالطريقة التي يريد , سترى لابيف يغادرهم , لكنك ستقتنع بأن لابيف سيعود ليظهر في طريقهم ! , ستدرك بأن رحلتهم لن تنتهي عندما يقرر كوغبورن ذلك , لكنك ستكون واثقاً بأنهم سيعثرون على تشيني !, ستشاهد ماتي تسقط في جحر الأفاعي , لكنك ستنتظر قدوم كوغبورن – من بعيد – لينقذها , على مدار أكثر من ساعةٍ ستحاول أن تستسلم لنص الكوينز في هذه الرحلة , ستنسى ربما طريقة التقديم التي تستفز ذهن المشاهد في النصف ساعة الأولى من الفيلم , و ستضطر لتناسي ذلك التقديم الممتاز , و مجاراة الكوينز في محاولتهما صناعة إعادةٍ كلاسيكية لعملٍ كلاسيكيٍ في الأساس , ستحاول غض الطرف كثيراً عن ألمعية الحدث ( خصوصاً و نحن نتعامل مع إعادةٍ قبل كل شيء , و يقدمها الكوينز بالذات ) لأنك ستشعر بأن الكوينز لم يتعلّموا كثيراً من إعادتهما السابقة في The Ladykillers لكنهما يقفزان فوق ذلك من خلال قوة الصورة و براعة ما يفعله المبدع روجر ديكنز الذي سيجعلني أصفق كثيراً إذا ما شاهدته يتوج بجائزة أوسكار يستحقها منذ زمن , و من خلال أداءاتٍ بارعةٍ يقدمها جيف بريدجيز و مات ديمون و على الأخص هالي ستينفيلد التي تبدو و كأنما تتجاوز حالة الإنبهار بأي أداءٍ جيد لمن هم في سنها , هالي تبدو هنا كممثلةٍ ناضجةٍ و كموهبةٍ حقيقيةٍ ينتظرها الكثير خلال السنوات القادمة , هنا تبادر إلى نفسي ذات الهاجس الذي كان يراودني قبل مشاهدة الفيلم عن إمكانية أن يطغى سعي الكوينز لصناعة عملٍ ذو مذاقٍ كلاسيكي على خصوصية سينما الرجلين , و للأسف فإن هذا يحدث في أكثر من مناسبة .

و على الرغم من لجوءهما للعنف الإنفجاري الذي رافقهما منذ عملهما السينمائي الأول Blood Simple و إستمر معهما منذ ذلك الحين , إلا أن ذلك لم يكن كافياً أحياناً لخلق نوعٍ من التوازن لمرحلة الذروة التي جاءت خاطفةً , و أسرع حتى من إستيعابها , و أقل من أن تكون نتيجةً لكل هذه المطاردة الطويلة التي عشناها , خصوصاً مع نقص الإتزان الواضح في شخصية توم تشيني و زعيمه نيد بيبر ( الكرتونيتيين جداً ) , و محاولة الكوينز مجاراة أصل جون واين كثيراً خصوصاً في مشهد مواجهة كوغبورن لعصابة نيد بيبر و الذي بدا أصعب من أن يتم تقبله في عملٍ نشاهده في الألفية الجديدة .

و فيما يبدو إستمراراً لتذبذب العاطفة التي تتلبس شخصية ماتي أحياناً و لا تتناسب تماماً مع شخصية الفتاة الجريئة القوية العنيدة , خصوصاً في علاقتها المتذبذبة و الغريبة بلابيف , تأتي خاتمة الفيلم التي حاول الكوينز أن يضخوا من خلالها دفعاً كلاسيكياً ملحمياً لوضع اللمسة الختامية على هذا العمل , و هي نهايةٌ تضفي حميميةً عظيمة على العلاقة بين هالي و كوغبورن على الرغم من أننا في الواقع لم نلمسها فعلاً طوال أحداث الفيلم , حيث طغت ثنائية الأجير و المستأجر على طبيعة العلاقة التي جمعتهما .

الفيلم الخامس عشر للكوينز هو عمل سينمائي مهم هذا العام بالرغم من عيوبه و ثغراته , فيلم ويسترن ذو مذاقٍ كلاسيكيٍ مغاير لذلك الذي لطالما عودنا عليه هذان المبدعان , أداءاتٌ ممتازة من بريدجيز و ستاينفيلد و ديمون , و نفسٌ بصريٌ ملحميٌ جميلٌ وقف وراءه مصورٌ عبقري عظيم إسمه روجر ديكنز , و إستمرارٌ يستحق التقدير في سبرهما رحلة الإنسان في دروب الشر و التضحيات الجسام التي تبذل في سبيل ذلك , و في الختام ( لا يوجد شيء مجاني , بإستثناء رحمة الرب ) كما تقول ماتي روس .

التقييم من 10 : 8

free counters