•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الأربعاء، 13 فبراير 2013

Silver Linings Playbook

كتب : عماد العذري

بطولة : برادلي كوبر ، جينيفر لورانس
إخراج : ديفيد أو راسل

كل عام نحظى بفيلمٍ أو فيلمين من هذه النوعية. أفلام البهجة والارتياح أو كما يروق للأمريكان تسميتها The Feel-good Movies . كل عام يجيد أحد المخرجين فهم التوليفة المناسبة لصناعة كوميديا رومانسية ذات اساسٍ دراميٍ مؤثر يستطيع من خلالها ملامسة الجمهور والتأثير فيهم وجعلهم يعيشون ساعتين من العرض لا يمكن وصفها الا بالممتعة مهما اختلفت قيمة العمل. هذا العام يبدو بأن ديفيد أو راسل – إلى حدٍ بعيد - هو من يقدم ذلك الفيلم .

في حفل البافتا الذي اقيم منذ ثلاثة أيام أهدى ديفيد أو راسل جائزة أفضل سيناريو مقتبس الى ابنه الذي ألهمه العمل على نصٍ كهذا. ابن ديفيد أو راسل مصابٌ بثنائية القطب ذاتها التي يعاني منها بطل القصة بات سولتانو. و في النص الذي كتبه الرجل عن روايةٍ لماثيو كويك يتتبع قصة بطله الذي اطلق للتو من أحد المصحات النفسية في فيلادلفيا بعدما عولج فيها لثمانية أشهر من ثنائية القطب التي تفاقمت لديه عقب الحادثة التي ضبط فيها زوجته المدرّسة تخونه مع زميلها في حمامٍ منزلهم. بات ينتقل للعيش مع والديه بات الكبير و دولوريس دون أن يتخلى عن حلم استعادة زوجته التي يفصله عنها الآن الرقابة القضائية التي تعيقه عن أي تواصلٍ معها ، طبعاً حتى تظهر تيفاني في الصورة .

الفيلم كله موضوعٌ في يدي هذا النص الذي كتبه ديفيد أو راسل ، والذي يبدو قوياً ومتماسكاً في مواضع كثيرة فينعكس ذلك على العمل ككل ، ويخفق في ذلك في مواضع أخرى فيهتز العمل بوضوح. وهذا الإرتكاز الذي أراه على النص لا يعني أنني أقلل من رؤية ديفيد أو راسل الإخراجية أو من الأداءات التمثيلية الممتازة في الفيلم ، لكن تأثير النص في أفلامٍ من هذا النوع يكون طاغياً ، و هذا العمل لا يشذ عن القاعدة .

أجمل ما في بناء شخصية بات التي يقدمها النص هو وضعها ضمن معيارٍ دقيق لنظرتنا لها. النص لا يسخر منها أو مما تقوم به بل بالعكس يظهرها جديةً جداً في نواياها وحقيقيةً جداً في دوافعها. يظهرها أكثر اتزاناً من مجرد شخصية رجلٍ مصابٍ بمرض نفسي. في الوقت ذاته هو لا يستجدي تعاطفنا تجاهها أو يحاول اظهارها لنا كضحية. تبدو شخصية بات شخصيةً حقيقيةً بالنسبة لنا ، تخطئ وتصيب ، وتحب وتكره ، وتنفعل وتهدأ ، وتحاول أن تحصل على ما يرضيها وأن تكون جيدةً مع الآخرين أيضاً. هذا عنصر قوةٍ مهم في هذا النص .

أهم من ذلك تأتي العلاقة التي يشكلها بين شخصيتيه الرئيسيتين والتي تبدو موزونة في مجملها. فكرة الصداقة بين شخصيتين تعيشان زواجاً مدمراً ومرحلةً قاسيةً من انعدام الوزن تلغي في الواقع الهوة بين عدم اتزانهما فعلاً وبين رؤيتنا نحن تجاه تلك الحالة من انعدام الإتزان. يجعلنا النص نقارن توازنهما المختل ببعضهما البعض عوضاً عن أن نقارن توازن أي منهما مع توازن الإنسان الطبيعي ! وتبدو هذه الجزئية – كما هي للشخصيتين دون أن تدركا ذلك – نوعاً من المعالجة والترويض ، فتبدو العلاقة بمجملها نوعاً من الفسحة تجدها الشخصيتان في مجتمعٍ يقارن تصرفاتهم بتصرفاته .

في التفاصيل لا يقدم النص ذلك بشكل جاهز وهذا يحسب له، حيث عمقه الحقيقي يكمن في هذه العلاقة وكيف تصير الى ما صارت اليه. في البداية لا تبدو تيفاني بالنسبة لبات سوى حالةٍ للتأمل والحديث والإستنطاق دون أن يسمح لها بالإقتراب أكثر ، و لذلك هي تحتقر فيه هذه النظرة. ذلك الشعور الذي نصطنعه عندما نحاول أن نبدو متعاطفين ومهتمين وقلقين تجاه ما يجري للآخرين ، ثم نظهر على حقيقتنا عندما نضطر لتقديم ما هو أكثر من ذلك لهم ! ذلك الشعور بالتفوق النسبي لدى بات يبدو مقرفاً بالنسبة لتيفاني التي لا تلبث أن تواجهه بذلك. ثم يتدرج ذلك الشعور وفقاً للنص إلى شعورٍ بالتعادل - عوضاً عن الشعور بالتفوق – عندما تتحول العلاقة بين الطرفين من مرحلة التفهم والإهتمام والتعاطف الى مرحلة المصلحة المتبادلة. يصبح لكلٍ منهما هدفٌ محددٌ وواضحٌ من علاقته بالآخر : مباراة الرقص بالنسبة لتيفاني ، و إيصال الرسالة بالنسبة لبات. ثم تتطور العلاقة وتتجاوز بنضجها مرحلة أن تكون تعاطفاً أو اهتماماً ثم مرحلة أن تكون مجرد مصلحةٍ مشتركة لتصبح علاقة مجردةً وحقيقيةً وأكبر من أي عرض وأقوى من أي مصلحة. هذا التدرج حقيقي في النص. ينسل في العمق دون أن يبدو تلقينياً أو مباشراً ويحسب كنقطة إيجابيةٍ قويةٍ تضرب في عمق قيمته .

بالمقابل يعاني النص من مشاكل. كليشيهاته كثيرة. وشعور البهجة والارتياح والتفاؤل الذي يتبناه يكون قسرياً أحياناً ، كما أنه يبدو أحياناً ساذجاً في سرده. عندما يحكي النص قصة بات وزوجته في جلسة طبيبٍ نفسي تبدو تلك حيلةً سرديةً ساذجةً جداً مع طبيبٍ نفسيٍ عالجه لأشهر !! بالإضافة لذلك، يُفلت ميزان الكوميديا مع الدراما من النص في أكثر من موضع ليتبنى أحدهما فقط بصورته الفجة ، خصوصاً و أن البعد الرومانسي – الذي غالباً ما يكون حلاً فعالاً جداً للتوفيق بينهما – يبقى في الخلفية البعيدة للحدث لفترةٍ طويلة ولا يأخذ صورته الحقيقية إلا قرب الختام. هذا الميزان يختل في الثلث الأخير من الفيلم عندما يجمع شخصيات العمل في منزل آل سولتانو (تبدو بالنسبة لي احدى هوايات ديفيد أو راسل ، وربما نتذكر مواجهةً مماثلةً لجميع الشخصيات في الجيم في فيلمه السابق The Fighter). في الإجتماع يرمي النص في وجوهنا قصة الرهان ومسابقة الرقص والشعور الساذج بالخطر على ثروة الأب ، ثم يخبرنا بأن كل ما حدث هو خطة مدبرةٌ من والديه ! في الواقع هذا يجدي و قد يكون ممتعاً و لا يسبب مشكلةً لنا ، لكن الغريب أن ديفيد أو راسل يعجز تماماً عن ازاله حس السذاجة الذي يصبغ المشهد حتى عندما يخبرنا بتلك الخطة ! حتى في مشاهدةٍ ثانيةٍ يبدو ذلك المشهد مفتعلاً وغير متزن على الأقل ضمن تطور الأحداث الذي حاول أن يمنحه طوال الفيلم لمسةً دراميةً حقيقية. الدراما تتراجع بوضوح في هذا المشهد ، مفسحةً المكان لكوميديا ساذجة لتطغى عليه، مما يُفقد ايقاع النص اتزانه الى حدٍ بعيد. 

مع ذلك ، تكمن مشكلة النص الجوهرية في أنه يسير وفقاً لخطة بالمعنى السلبي (المقيّد) للكلمة. لا يستطيع التملص من حقيقة أنه يبدو في مجمله سلسلةً من (الأفعال) عوضاً عن أن يكون سلسلةً من (ردود الفعل) كما هي النصوص العظيمة. قالبه جاهز على طريقة (مسبق الصنع) البالية ويريد ان يقدمه للمشاهد ويقنعه به. يبدو خط سيره مطمئناً جداً ، واضحاً جداً ، ومثالياً جداً كأنه حلم. نعلم مبكراً جداً أن البطلين سيتأقلمان مع بعضهما ، سيعانيان الكثير من المشاكل في العلاقة التي تجمعهما ، سينجحان في الحفل الراقص ، بل أنهما يحصلان على النقاط الخمس تماماً ، لا أكثر و لا اقل ، وسيحبان بعضهما في الختام ! في الواقع كان هذا ليتناسب مع قصةٍ حالمة ، لكنه هنا يفقد العمل ككل جزءاً من معالجته الواقعية الجيدة للعلاقة المتشكلة بين بطليه ، والتي عمل بإمعان على تقديمها لنا كما تستحق أن تكون في الثلث الأول من الفيلم. عندما تأملت عمل ديفيد أو راسل على محاولة تجاوز تخطيطية الحبكة دون أن يتمكن فعلاً من ذلك ، استحضرت أعمال كاميرون كرو الذي يبدو بالنسبة لي عظيماً في أفلامٍ كهذه. قدرته العظيمة على خلق توازنٍ مرعب بين الكوميديا والدراما والرومانس من خلال خلق معالجةٍ كوميديةٍ لعلاقةٍ رومانسيةٍ تتطور لكن ضمن قالب صلب من الدراما. هنا تُفلت الدراما من ديفيد أو راسل مع تطور الأحداث ، ولا يحاول أن يبذل الكثير من الجهد لا على مستوى الإيقاع ولا على المستوى التقني ليجعل المشاهد يغض الطرف عن ذلك. أدواته الإخراجية محدودة ، وتوظيفه للتصوير والموسيقى التصويرية بدائيٌ جداً بمقاييس السرد والعلاقات التي يحاول تقديمها. تشعر أنك شاهدت عشرات الأعمال تحمل البصمة ذاتها. وبسبب ذلك تحديداً أرى بأن ديفيد أو راسل (في فيلميه الأخيرين) يبقى أقل بكثير من مخرجٍ نال ترشيحين للأوسكار. قد أتقبله جداً ككاتب نصوص ، لكن فقدانه التوازن الدرامي لنصوصه لا يجعلني أثق كثيراً بقيمته كمخرج ، على الأقل قياساً لترشحين نالهما لأوسكار أفضل إخراج خلال ثلاثة أعوام فقط !

أفضل ما في أدوات ديفيد أو راسل الإخراجية هي أداءات ممثليه الممتازة والتي يحتاجها الفيلم بشدة. برادلي كوبر يقدم تقريباً أول دورٍ حقيقيٍ في مسيرته. عندما يحوّل بات نقاط ضعفه الى قوة يجعل برادلي كوبر ذلك يبدو حقيقياً على الشاشة. ملامحه بحد ذاتها تصوره كشخصٍ واقعٍ في مأزق ، و مطلع الفيلم يصلك الشعور بكم يبدو هذا الشخص عبئاً حقيقياً على المحيطين به. سماجته تبدو حقيقيةً فعلاً. ثم يتدرّج برادلي كوبر في تهذيب تلك الشخصية على مدى ساعتي العرض بإحترافية تحسب له ، دون أن يخطئك الشعور طبعاً بأنه (يمثّل) في بعض المواضع. جينيفر لورانس بالمقابل تقدّم أفضل أداءات الفيلم و أحد أفضل أداءات الموسم. لا تحاول أن تُظهر بفظاظة خلفية الحزن والوحدة والمغامرات الجنسية التي عاشتها بعد رحيل زوجها. هي تضعهم في الركن الخفي من الشخصية تماماً كما تحاول أن تبدو لبات ، وعندما يجب أن تكون نزقةً وبذيئةً وغاضبة فهي تكون كذلك فعلاً وبطريقةٍ تبدو نابعةُ من صميمها. وجهها الطفولي يتحول إلى شيءٍ آخر بكل سهولة ، وهي بالفعل تسرق كل مشاهدها بجدارة. لا أقل منها يقدّم روبرت دى نيرو واحداً من أفضل أدواره وأفضل أداءاته منذ سنوات. عندما ينتهي الفيلم تستحضر في دى نيرو الصورة العظيمة للأب وإلى أي مدى يمكن أن يذهب في الحفاظ على عائلته والوقوف بجانب أبناءه. دى نيرو يجسّد في باتريسيو لوحةً ممتعةً جداً للمشجع المتعصب و المراهن العنيد لا تلبث أن تصبح مؤثرةً جداً في الختام للأب الذي يحاول ابقاء عائلته متماسكةً مهما كلّف الأمر دون أن يشعرك بأي فاصلٍ حقيقيٍ بينهما. يخدعك أدائياً كما يخدع ولده ، ويبقي في الوقت ذاته الصورة العظيمة للأب فعالةً و واضحةً حتى آخر لحظة .

ككوميديا رومانسية يقدم هذا الفيلم شخصيتين مختّلتين ، لكن بكيمياء عاليةٍ بينهما. جنونهما لذيذ ومباغت وأجمل بكثير من علاقة شخصين مختلّين او منهكين نفسياً. هذا الفيلم يُبلي حسناً بالرغم من التحفظات الكثيرة على نصه الذي لم يخدمه كثيراً الأداء الإخراجي لديفيد أو راسل. مع ذلك تبقى الصورة بمجملها مرحةً وممتعةً وجذابة للمشاهد ، ولا تستطيع في الحد الأدنى اعتبار ساعتي العرض شيئاً اقل من الممتع .

التقييم من 10 : 7


هناك 3 تعليقات:

  1. احسنت أستاذ عماد في نقدك.
    أوافقك في جميع النقاط بدون مبالغة، في الحقيقة انتظرت طويلاً نقداً يوافقني في رؤيتي للفيلم.
    الفيلم ينقصه الكثير ليترشح لأفضل فيلم وليترشح مخرجه لجائزة أفضل مخرج.

    ردحذف
  2. شكراً لك يا عزيزي .. بالنتيجة هو فيلم ممتع و خفيف و لذيذ بالرغم من ثغراته التي لم يفعل ديفيد أو راسل ما يمكن أن يخفف منها .. تحياتي لك

    ردحذف
  3. نصفه الأول كان ممتع وأعجبني كثيراً ولكن في نصفه الثاني فقد الفيلم الكثير.
    في النهاية فيلم جيد.

    ردحذف

free counters