يختتم مهرجان كان السينمائي
الدولي فعاليات دورته السادسة و الستين يوم غدٍ الأحد بإعلان اسماء
الفائزين بجوائزه المختلفة و على رأسها السعفة الذهبية و جائزة لجنة التحكيم الكبرى التي يقودها المخرج الكبير ستيفن سبيلبيرغ
و تضم في عضويتها أسماء من قبيل آنغ لي و دانيال أوتيل و كريستوف فالتز و نيكول كيدمان .
و إشتمل اليومان
الأخيران من التظاهرة على عددٍ مهمٍ من العروض المنتظرة منها الأفلام الأربعة
المتبقية التي أكملت عقد المسابقة الرسمية للمهرجان و التي ضمت هذا العام 21
فيلماً ، حيث حظي رومان بولانسكي و جيم جارموش و جيمس غراي و آرنو دي باليير بالعروض الأولى لأفلامهم في ختام دورةٍ أقل
ضجيجاً من سابقاتها .
آرنو دي باليير قدّم Michael Kohlhaas خامس فيلمٍ فرنسيٍ يشارك في المسابقة الرسمية هذا العام ، القصة عن مايكل كولهاس تاجر
الخيل الذي يعيش حياةً مترفةً و سعيدة في منطقة سيفان في فترةٍ ما من
القرن السادس عشر ، كل ذلك يتغير عندما يقع الرجل ضحيةً لظلم يزلزل حياته و يخسر
به كل أملاكه و يدفعه للإنقلاب و تعبئة جيشٍ ينهب به المدن و يرسي من خلاله
قوانينه الخاصة .
و الفيلم هو اقتباسٌ
عن قصةٍ قصيرةٍ لهينريش فون كلايتس و يقوم ببطولته الممثل الدنماركي مادس ميكلسن
بعد عامٍ واحد على تتويجه بجائزة أفضل ممثل في كان عن فيلم توماس فينتربرغ The
Hunt ، و أمتدح الفيلم لموضوعه و للنبرة العاطفية الواضحة التي يحملها
علاوةً طبعاً على أداء ميكلسن في الدور الرئيسي ، بينما تعرض بالمقابل لهجومٍ من قبل
نقادٍ آخرين لم يجدوا فيه شيئاً يستحق الذكر علاوةً على بعض التفاصيل التي استهجنت
فيه كالتنقل غير المبرر بين اللغتين و الفرنسية و الألمانية ضمن سير الأحداث ،
إضافةً لاعتبارهم أن ميكلسن لم يقدم الشيء المختلف على صعيد الشخصية التي يجسدها .
في اليوم ذاته افتتح
المخرج الأميركي جيمس غراي فيلمه الجديد The Immigrant ، الفيلم يحكي أحداثاً تدور في عام 1921 حيث تغادر إيوا و
شقيقتها ماجدا بلدهما بولندا بحثاً عن الحلم الأميركي ، لكن ماجدا تصاب
بالسل و يتم عزلها بمجرد وصولها الى نيويورك ، الأمر الذي يضطر إيوا للعمل في
الدعارة من أجل انقاذ شقيقتها .
و الفيلم يقوم
ببطولته النجوم ماريون كوتيار و واكين فينيكس و جيرمي رينر ، و يعود غراي فيه الى موضوع الأصول و الهجرات التي شكلت وجه أميركا
المعاصر و هو موضوعٌ يبدو مغرياً له كما قال ، كما هو لقاءه المتكرر أيضاً بنجمه المفضل
واكين فينيكس الذي يديره للمرة الثالثة ، و أمتدح الفيلم بشكلٍ
أساسيٍ لأداء ماريون كوتيار فيه و التي وجد فيه النقاد غنىً عاطفياً تحتاجه
الشخصية بشدة علاوةً طبعاً على المجهود الواضح الذي بذلته كوتيار في
اتقان اللغة البولندية و الأداء بها ، لكن ذلك لم يكن كافياً للفرار بالفيلم من
مآزق عدةٍ تعرض للنقد بسببها خصوصاً على مستوى ايقاع الفيلم ، و قدرة غراي على
الإمساك بتلابيب الجزء العاطفي في الحكاية و توجيهه في خدمتها ، الأمر الذي شكل
خيبةً أملٍ واضحةٍ لدى بعض اولئك الذين تفاءلوا بالمشاركة الأمريكية المميزة في
المهرجان هذا العام مع ستيفن سودربرغ و الكوينز ، و هم ذات البعض الذين لم يجدوا حتى في أداء ماريون كوتيار
الشيء الذي يستحق المديح .
جيم جارموش أحد أبرز رموز
السينما المستقلة في الولايات المتحدة و ربما أهم مخرجيها المعاصرين لحق بركب كان في
الأمتار الأخيرة و انضم بفيلمه Only Lovers Left Alive إلى قائمة المسابقة الرسمية للمهرجان بعد اعلانها رسمياً ليصبح الفيلم
الحادي و العشرين فيها ، و يبدو أن جيم جارموش كان أهلاً لذلك الإنضمام المتأخر و حمل الكثير من
التميز و الإختلاف الى المسابقة الرسمية هذا العام ، و حرّك حضور فيلمه الركود
الواضح في اليومين الماضيين من خلال القصة التي يرويها عن علاقة حبٍ استمرت لقرون
بين مصاصي دماء هما آدم و حواء ، و يسبر جارموش من خلال هذه القصة رحلة الإنحطاط الإنساني و نظرة
الإنسان التي اكتست بالكثير من الإحباط مع تقدم البشرية ، و يلعب دوري البطولة
النجمان البريطانيان توم هيدلستون و تيلدا سوينتن و إلى جوارهما مواطنهما جون هيرت بالإضافة
إلى الأمريكيين أنتون يلشين و جيفري رايت و الأسترالية الشابة ميا واشيكوسكا .
و بالرغم من خصوصية
فن جيم جارموش التي قوبلت بإحترامٍ و تقديرٍ واضحين في العرض
الافتتاحي للفيلم ، الا أن الفيلم انتقد أيضاً بسبب تلك الخصوصية و اعتبر مخصصاً لأولئك
الذين يعشقون فن الرجل حتى قياساً لأفلامٍ أخرى قدمها الرجل و حققت نجاحاً ملفتاً
خارج النطاق الضيق لعشاق و مريدي جارموش كالفيلم الفائزة بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في كان قبل
ثمانية أعوام Broken Flowers ، بينما امتدح الفيلم بشكلٍ ملحوظ للعوالم الفريدة التي يصنعها بين
مدينتي ديترويت و طنجة حيث تدور الأحداث ، و بالتأكيد لنوعية الأداءات التي يقدمها
جارموش دائماً ، دون أن ننسى المقطوعات الموسيقية التي لطالما
اشتهرت بها أفلامه .
في آخر عروض المسابقة
الرسمية هذا العام يعيد رومان بولانسكي الإلتقاء مجدداً بزوجته إيمانويل سينييه
في فيلمه المرتقب Venus in Fur الذي تقوم ببطولته الى
جوار النجم ماثيو أمالريك ، الفيلم يحكي قصة توماس المخرج المسرحي المتذمر
من المستوى السيء لتجارب الأداء التي أجراها للممثلات الطامحات للعب دور البطولة
في مسرحيته الجديدة ، قبل ان يفتن بظهور فاندا الفتاة المتمردة و البذيئة التي سرعان ما تسلب لبه
بتملكها الممتاز للدور و تفهمها الواضح للشخصية ، قبل ان يتحول انجذاب توماس تجاهها
الى هوس .
و نال الفيلم تصفيقاً
مطولاً عزاه البعض لقيمة رومان بولانسكي ذاته الذي وجدته معظم المراجعات في عملٍ اقل
مستوى من سابق أعماله حتى تلك الأخيرة منها ، و أمتدح الفيلم لذات السبب الذي
انتقد عليه ، الحديث هنا عن التحدي الذي وضعه رومان بولانسكي نصب
عينيه في تقديم حكايةٍ تدور بين شخصين في مسرحٍ طوال مدة الفيلم ، و هو ذات التحدي
الذي حققه بولانسكي بإمتياز في أول أفلامه Knife in the Water قبل نصف قرن حيث أدار حكايةً حول ثلاث شخصياتٍ في قارب ، و رأى آخرون
في الفيلم انعكاساً لجانبٍ ذاتي من شخصية بولانسكي خصوصاً في اختياره لماثيو أمالريك الذي
يضاهي بولانسكي الشاب شكلياً و يقوم بالدور الإستحواذي أمام إيمانويل سانييه
زوجة بولانسكي الحقيقية .
و مع فيلم بولانسكي يقطع
مهرجان كان السينمائي الدولي شريط الختام فيما يخص مسابقته
الرسمية التي تبدو ملامح التنافس فيها و كأنما تمحورت بشكلٍ رئيسيٍ حول ثلاثة
اسماء : أصغر فرهادي و الكوينز و ستيفن سودربرغ ، ينافسهم بقوة لنيل احدى الجائزتين الرئيسيتين
أفلام هيروكازو كورإيدا و عبداللطيف كشيش و جيا جانكغي ، ستة أسماء قد يكون من الصعب على لجنة ستيفن سبيلبيرغ
تجاوزها و هي تعلن يوم غد عن جوائزها المنتظرة .
0 تعليقات:
إرسال تعليق