كتب : عماد العذري
بطولة : ماريا فالكونيتي ، يوجين
سيلفان ، أندريه بيرلي
إخراج : كارل ثيودور دراير
منذ شاهدته أول مرة قبل سبعة أعوام و حتى مشاهدتي الأخيرة له
منذ بضعة أيام تغير الكثير ، أعترف الآن بأنها واحدة من التجارب السينمائية القليلة
التي تزداد قيمتها بوضوح كلما ذهب المرء بعيداً في مشاهداته السينمائية و كلما
ازداد فهمه للكيفية التي تطورت بها السينما ، هذا الفيلم واحدٌ من أهم التجارب
السينمائية و أكثرها نفوذاً و تأثيراً على الإطلاق .
في الواقع هو لم يكن مشروعاً لمخرجه الدنماركي العظيم كارل ثيودور دراير ، كان
مجرد عملٍ تاريخيٍ فرنسي أوكلت مهمة اخراجه اليه و كان مخيّراً بين تقديم شخصية ماري أنطوانيت و شخصية ماري دي ميديتشي ، رفض دراير
الشخصيتين و قرر تقديم نسخةٍ جديدةٍ من جان دارك بعد ستة أعوامٍ فقط على اعلانها قديسة و بعد أكثر من
ثلاثين عملاً سينمائياً تناولها قبله ، من ناحية يبدو هذا التفصيل مبرراً تسويقياً
لإختيار الشخصية ، و من ناحية قد يبدو هذا الإستهلاك - الذي تعرضت له الشخصية قبله
– تفسيراً محتملاً لهاجس التجريب الذي استحوذ على دراير أثناء تقديمه لها و رغبته في إثبات أنه يقدم
شيئاً مختلفاً تماماً عن كل ما تناولها قبله .
حقق الفيلم مراد دراير ، قوبل بصورةٍ ممتازةٍ من قبل نقاد السينما بالرغم
من حقيقة أنهم لم يستوعبوا تماماً حدود عظمته ، و بالمقابل اعتبره آخرون نخبوياً و
فوقياً الأمر الذي أعاقه عن تحقيق النجاح الجماهيري المطلوب و وقف حاجزاً أمامه في
استرداد تكاليفه الخرافية التي بلغت تسعة ملايين فرنك في ذلك الحين ، و ربما كان
للأفلام الناطقة – الوليدة في حينها - جزءٌ مهم في ذلك المردود السلبي ، مع ذلك لم
تمر سوى بضع سنوات حتى كان كل ذلك ماضياً ، تعرض الفيلم لكارثة عندما فُقدت نسخه
الأصلية كما حدث مع الكثير من الأفلام ، ويبدو أن الأوروبيين عانوا أكثر من
الأمريكان على هذا الصعيد ، تعذّر لأكثر من نصف قرن الحصول على نسخةٍ مكتملةٍ و
حقيقيةٍ منه (و هذا حدث مع رائعة دراير الأخرى Vampyr) حتى تم العثور على نسخةٍ أصليةٍ له عام 1981 في احدى المصحات
العقلية في أوسلو ، كان قدر الفيلم أن يُعاد اكتشافه و ألا يتلاشى كما حدث
مع عددٍ من الكلاسيكيات التي لم يصلنا منها سوى أسماءها ، و كان قدره أن يتم
التعامل معه اليوم كتحفةٍ أو أثرٍ تاريخي تم استرداده ، و الأهم كفيلمٍ أساسيٍ جداً
في مسيرة تطور السينما.
يقص علينا هذا الفيلم الفرنسي الصامت محاكمة جان دارك ،
الشابة الفرنسية التي قادت معارك التمرد الفرنسي لطرد الإحتلال الإنجليزي لبلادها
في القرن الخامس عشر و لعبت دوراً حاسماً في حرب المائة عام بين فرنسا و بريطانيا ، قبل
أن يلقى القبض عليها و تحاكم بتهمة الهرطقة و ادعاء أنها مبعوثة الرب و أن ما حدث
كان لأنها تلقت اشارةً سماوية دفعتها للقيام بما قامت به .
ينتمي النص في حكايته إلى ما يمكن تسميته أفلام الإيمان
و هو موضوعٌ ربما راق لدراير ملامسته بشكلٍ أو بآخر في أفلامه ، لكنه تناوله بصورةٍ
صريحة في هذا الفيلم ثم أعاد ذلك في رائعته الأخرى Ordet بعد قرابة ثلاثة
عقود ، في البناء العام لا يستمد النص قيمته الدرامية من الحدث و الحوار ، فمسرحه
تقريباً هو مكانٌ واحد ، و حكايته تخلو من الأحداث المفصلية الحقيقية التي قد تجعله غنياً على صعيد التحولات الدرامية ، و حواره شبه دينيٍ يتمحور حول ثني جان دارك عن
معتقداتها ، الفيلم مختلف على صعيد تناول الشخصية التاريخية ، مختلف حتى بالمنظور
الحالي للفيلم التاريخي ، هو لا يعرض لنا أي شيء مما قامت به البطلة ، لا يتطرق
حتى للجزء اليسير من ذلك و هذا قد يجعل من المعرفة التاريخية المسبقة بالحدث شيئاً
مفيداً للمشاهد ، النص يتناول المحاكمة فقط و هو شيءٌ لم يكن اعتيادياً اطلاقاً في
زمنه ، لذلك هو يستمد دراماه من لغته السينمائية أكثر مما يستمدها من حكايته و هو
شيءٌ وضعه دراير نصب عينيه و هو يكتب هذا النص رفقة جوزيف ديلتيل
عن رواية الأخير التي حملت اسم جان دارك .
من أجل تحقيق ذلك كتابياً يعمل النص على تكثيف الحدث بشدة ،
تبدو لك المحاكمة التي استمرت فعلياً لأشهر موضوعةً هنا ضمن يومٍ أو يومين لا أكثر
، و بالرغم من ذلك يجعل النص من ذلك التكثيف فعالاً و غير منتقص اطلاقاً ، ربما
خدمه في ذلك استناده في جوهره على حدية التعبير (القصصي / البصري) المستلهمة
بالطبع من التعبيرية الألمانية المكتسحة في تلك الفترة ، الأمر الذي أتاح
للنص تقديم حكايته المكثفة دون الإسترسال في أي تبعاتٍ تاريخيةٍ أو معالجاتٍ
نفسيةٍ للحدث ، لذلك لا تبدو الحكاية بحد ذاتها مهمة بقدر ما هو الإطار العام الذي
تتناول من خلاله الصراع بين الإيمان و الشك لدى جان دارك من جهة ، و بين الإيمان و المؤسسة الدينية
التي تحاول ادارته من جهةٍ أخرى ، هذا عظيم و لا يمكن نكرانه ، النص يتجاهل
الحكاية التقليدية التي يعرفها الجميع عن جان دارك و يعمل فقط على المحاكمة ، و هو من خلال هذا التكثيف
لا يحاول التطرق اطلاقاً لما فعلته جان دارك و إنما للإيمان الذي برر لها ما فعلته ، و لا يحاول
تناول الصراع بين (جدوى ما فعلته جان دارك من عدمها) و إنما الصراع بين (إيمانها بتبريرها له من
عدمه) ، حتى التعذيب الذي يفترض انه مورس عليها لا يهتم به النص قدر اهتمامه
بإعطائنا الشعور بسطوة ترقبه و الخوف منه لدى جان دارك بالتوازي مع
سطوة ايمانها عليها و خوفها من ربها ، لذلك هي توقع على الاقرار الذي يعتق رقبتها
و يرسلها عوضاً عن ذلك الى السجن ، لكنها تشعر بالذنب و تدرك خطأ ما فعلت فتتراجع
عنه ، كل تلك السطوة الإيمانية (إيمان جان دارك بمعتقدها ، و إيماننا نحن بقسوة ما ينتظرها) يرينا
إياه النص خارج الصورة ، فقط من خلال التركيز على خلق كمٍ وافرٍ من الاحاسيس و
المشاعر التي تخبرنا كل شيء في فيلمٍ صامتٍ بشخصياتٍ معدودةٍ و تدور معظم أحداثه
في مكانٍ واحد ، هو يصور لنا عظمة و سطوة الإيمان بأي شيء مهما كان من خلال جعلنا نؤمن
ببطلته ، يلامس جوهر الإيمان ، الغير قائم أساساً على الفرضيات و المسلّمات
قدر ما هو قائمٌ على الشعور و الإحساس و الإعتقاد الراسخ ، ليس فقط
كحكايةٍ يسردها علينا ، بل كممارسةٍ فعليةٍ يمارسها علينا ، فـ (نؤمن) ببطلته
ونقف في صفها دون فرضياتٍ أو مسلمات ، دون حكايةٍ أو حدثٍ أو معايشة أو حتى قسوةٍ
أو تعذيب ، هذا التفصيل مهمٌ بنظري و يمنحه عمقه الحقيقي على مستوى الحكاية التي
لا تبدو مؤثرةً في قيمته المجملة قدر ما هي صنعته السينمائية ، على عكس ما يحدث في
رائعة دراير اللاحقة عن موضوع الإيمان و الشك Ordet .
من أجل توليد ذلك يستند الفيلم على العنصر الذي منحه قيمته و
أهميته السينمائية : تفكيك العناصر التقليدية للصورة و إعادة تشكيل مفهوم الفضاء السينمائي
، حجم التجريب الذي مارسه دراير على هذا الصعيد كان شيئاً عظيماً و استثنائياً بالنسبة
لفيلمٍ ينتمي إلى تلك الحقبة ، و لا أدري على وجه الدقة هل كان الفيلم التاريخي قد
وصل حينها إلى المرحلة التي تستلزم إعادة تشكيله بصرياً و التمرد على نمطيته
المعتمدة على بهرجة المكان و الصورة ، دراير يلغي كل ذلك ، يقوم هنا بتفكيك علاقة العناصر بالفضاء
السينمائي بحيث يسيطر العنصر على الفضاء بدلاً من أن يكون جزءاً من تكوينه ، بدأ
ذلك عملياً قبل هذا الفيلم ، كثف عمله على تعبيرية الوجه من خلال استخدام الـ Iris Shot و الكلوز آب ،
لكنه لا يكتفي بذلك بل يعيد تفكيك العلاقة بين الوجه و الصورة مانحاً للوجه مساحةً
أكبر و دوراً أكبر – إن لم يكن أوحد - في الفضاء ، ثم قام بالإنتقال من وجهٍ إلى
آخر لخنق الصورة ، هذه البنية الجديدة القائمة على توظيفٍ مختلف للكلوز آب و اللقطة الألمانية
و للـ Iris
Shot (التي تمنح الصورة هنا قيمةً توثيقيةً عاليةً تجعلك كمشاهد و
كأنما تنظر عبر فجوةٍ في التاريخ أو عبر صندوقٍ سحري) عُزّزَت من خلال المونتاج غير المتسق
، و بالتالي عملت بفعالية على تحطيم ثبات الصورة و حركة العناصر ضمنها ، و هو تحطيمٌ تعبيريٌ على
صعيدين : هو من ناحية ملائمٌ جداً لتجسيد حالة الإستجواب في المحاكمة التي
يديرها النص و هي حالةٌ مقومها البصري الرئيسي هو تناوب اللقطات (طولاً و مساحةً و زوايا) ، و من ناحية هو يحقق أكبر تكثيفٍ ممكن للأداء التعبيري جداً الذي
يقود دراير من خلاله بطلته ، هذه العملية تخدم في الجوهر طبيعة
الحكاية (التي لا تبدو مؤثرةً على الورق) ، فالعناصر المحدودة ضمن فضاء الصورة و
الحركة المحدودة لتلك العناصر (و هي أمور موجودة أساساً في النص) تبدو خاماً ممتازاً لعملية
التفكيك من خلال اعطاء مساحةٍ أكبر للكلوز آب و الكاميرا الثابتة و الإضاءة الطبيعية
و العدد الهائل من اللقطات القصيرة التي قيل بأنها تجاوزت 1500
لقطة ، و بالتالي يفيد عمق النص في امرين : أولاً التناسب مع حالة
الاحتجاز التي تعيشها البطلة و بالتالي يصبح احتجازاً بصرياً و قصصياً معاً ، و ثانياً منح
قيمة و اهتمام أكبر للحوار ضمن هذه الصورة المخنوقة يتيح للمشاهد الغوص في دواخل الشخصية و ملامسة ايمانها بصورةٍ كانت
لتنتقص كثيراً لو لم تقدم بهذه الطريقة .
اعادة تشكيل الفضاء السينمائي بهذه الصورة المختلفة في الفيلم
قائم في جوهر فكرته على تغيير حجم العنصر في التكوين السينمائي بالمقارنة مع فضاء الصورة
، دراير يعمل من خلال الكلوز آب الذي يشغل ثلاثة أرباع لقطات الفيلم على منح قيمة
تعبيرية عالية جداً لكل لقطة ، و مجسداً ربما العلاقة الأصعب و الأكثر
خلوداً بين وجه الممثل و عين الكاميرا ربما في تاريخ السينما كله ، يكاد
ثقل الفيلم الحقيقي يستند على هذه الجزئية ، كل لقطة في هذا الفيلم لها
معنى بصري محدد ، يعطيك الشعور تجاه خبث أحدهم في لقطةٍ متناظرة ينتصف فيها
حجم الفضاء على يمين و يسار الوجه ، يعطيك احساس العزلة في لقطة قريبة ، يعطي
الشعور بالإفتقار و الحاجة في لقطة يحتل فيها الصليب صدر المكان ، يمنح حس التوق و
الروحانية في لقطةٍ المانية ، و حس الإنحسار في لقطةٍ لنصف الوجه ، و حس السطوة في
لقطةٍ بمستوى القدم ، و حس الإضطراب في لقطةٍ ذرويةٍ مقلوبة ، دراير يستفيد
كثيراً من ولعه بالتعبيرية الألمانية لكن دون انقيادٍ اعمى ورائها ، يغني افكارها
بشكلٍ ملحوظ و يمنح لعلاقة فضاء الصورة بعناصر التكوين معنى مختلفاً و عبقرياً و
سابقاً لعصره .
التجريب لا يتوقف عند مستوى تفكيك و إعادة تشكيل فضاء
الصورة تعبيرياً كما ذكرت ، دراير عمل أيضاً على تفكيك الإتساق البصري ، و ربما كان في هذا الفيلم أعظم من فعلها حتى
جاءت الموجة الفرنسية الجديدة ، لا يقدم في هذا الفيلم - المتخم اللقطات - اتساقاً بصرياً لكل كادر مع الذي يليه ، تدفق الكادرات شبه معدوم ، طوال الفيلم
يقطع دراير من لقطةٍ جانبيةٍ مثلاً للقاضي إلى لقطةٍ ألمانيةٍ
للحارس إلى لقطةٍ أماميةٍ لجان دارك و هكذا ، هو يتماهى على هذا الصعيد مع حس التشويش و
الضياع الذي ينشده في جعلنا أقرب من بطلته ، و هذا يمكن تحريه في عملية الانتقال
الواضحة بين الثلث الأول من الفيلم الغني بالكلوز آب و الحوارات المكتوبة نحو الثلث الثاني حيث مرحلة
الضغط و التعذيب التي تعطي اللقطات الطويلة و الواسعة للغرفة مساحةً أكبر تغني الشعور من
ناحية بأن مرحلةً مختلفةً من الحكاية قد بدأت ، و تمنح الصورة من ناحيةٍ أخرى عمقاً
أكبر من خلال توفر أكثر من عنصر ضمن الكادر أو انحسار مساحة العنصر الوحيد فيه ، و
بالتالي انحسار جان دارك و الشعور بضياعها و ضئالتها و عجزها بصرياً وقصصياً في
الثلث الثاني عوضاً عن الشعور بالحصار و الضيق الذي مارسه الكلوز آب عليها في الثلث الأول
، و هذا التباين يبرز العمل الممتاز لدراير على توظيف نظرية المونتاج التي يلتزم بها و يطبقها وفق الكتاب في مرحلةٍ
مبكرةٍ جداً لإنتشارها ، كثيرٌ من لقطات الكلوز آب في الثلث الأول تشعر بأنها مكرورة أو أن دراير
استخدمها أكثر من مرة ، لكن عمله البارع على نظرية المونتاج من خلال اللقطة الوسطى
(اللقطة بين لقطتين متسقتين) يمنح لتلك اللقطات معنىً مختلفاً كل مرة وفقاً لسير
الحدث ، و ان كان هذا لا يعني اطلاقاً أن دراير تنكّر للميزانسين أو تجاهل قيمته و أهميته ، بل دعمه
وفقاً للإطار البصري العام للفيلم ووفقاً لما هو متاح ، و الثلث الأوسط من الفيلم يثبت ذلك بوضوح ، و من الطبيعي أن يراودنا الشعور بذلك التجاهل في
فيلمٍ قائمٍ على اللقطات القصيرة الكثيرة و على العناصر الثابتة في الصورة لدرجة
أن حركات الكاميرا في الفيلم معدودةٌ جداً بالرغم من كونها مميزةً جداً ، و ان كان ذلك قد أضرّ الى حدٍ ما
بقيمة الإخراج الفني العالية للفيلم و التي صممها العظيم هيرمان وارم (صاحب
الاخراج الفني البديع لفيلم The Cabinet of Dr. Caligari) و الذي أبهرني عمله
هنا و منحني احساس من يعيش قطعةً حقيقيةً من التاريخ و ليس مجرد فيلمٍ سينمائيٍ
صامت بالرغم من المساحة الضيقة لبروزه .
و بالتأكيد روح هذا الفيلم هو الأداء العظيم من رينيه ماريا
فالكونيتي ، الممثلة المسرحية التي تقدّم هنا أدائها السينمائي الوحيد ، فالكونيتي
تقدّم ربما أعظم أداءٍ في تاريخ السينما الصامتة في مرحلةٍ كان من المبكر جداً
الوصول معها الى هذا المستوى من التوحد و الإحساس بالشخصية ، عملها مكثفٌ جداً على
لغة عيونٍ فعالةٍ جداً رغم أنها لا تخلو من انفعالٍ أدائيٍ طفيف منبعه بالطبع
التأثر الواضح لدراير بالتعبيريين ، دراير كان قاسياً جداً مع فالكونيتي خارج
التصوير كي يستخرج منها الشعور بالإضطهاد و القسوة التي تعانيها الشخصية بل أنه
أصر على مشهد حلاقة الشعر بالرغم من توسّل فالكونيتي اياه لتجاوزه ، أداء
فالكونيتي يحمل على عاتقه الجزء الأكبر من غنى الشخصية (الغير مستند في الحقيقة
إلى شيءٍ ملموس على الورق) ، نشعر مع فالكونيتي بتواضع جان دارك و بساطتها (كانت فلاحةً في الواقع) ، نلتمس ايمانها
القوي ، ثقتها بمعتقدها ، غناها الروحي في مواجهة عجزها و ضعفها الآنيين ، و قلقها
الدنيوي في مواجهة خوفها الديني ، كل ذلك يصلنا دون أي تأسيسٍ حقيقيٍ للشخصية في
الورق ، عيونها كافيةٌ لكل ذلك ، تتراوح بين الشعور بالترويع ، و تخيّل القادم ، و
استذكار الماضي ، و الخوف ، و الرجاء ، و القلق ، و الصفاء الروحي ، كوكتيل سخّر
له دراير سيلاً من اللقطات القصيرة لإلتقاطه ، و من الصعب فعلاً
مشاهدة شيءٍ مماثلٍ لعملٍ أدائيٍ ينتمي الى حقبة الأفلام الصامتة .
قد لا يكون هذا فيلمي المفضّل لدراير ، شخصياً أحب Ordet و Gertrud أكثر منه ، لكنني
أقر بأنه تجربته السينمائية الأكثر عبقريةً و ريادة ، عندما تقيسه بنوعية الأفلام
التي وصلتنا من تلك الحقبة لا تراه إلا مع نخبة النخبة ، يقول جون كوكتو عن
الفيلم بأنه (وثيقةٌ تاريخيةٌ من عصرٍ لم توجد فيه السينما) ، و بالتأكيد هو
أيضاً واحدٌ من أكثر الأفلام أهميةً و تأثيراً في تاريخ السينما .
التقييم من 10 : 10
0 تعليقات:
إرسال تعليق