بطولة : هيرويوكي سانادا ، نينجي كوباياشي
، ميتسورو نوكيكوتشي
إخراج : يوجي يامادا
اقترن اسم يوجي يامادا على
مدى أربعة عقود بـ Tora-san السلسلة
السينمائية التي استمرت منذ أواخر الستينيات و حتى منتصف التسعينيات و تضمنت 48 عملاً
سينمائياً أخرج يامادا 46 منها ، محور الأفلام هي شخصية تورا سان التي تعاني
في كل مرة من سوء الحظ الذي يعاندها كلما قررت الوقوع في الحب ، حققت السلسلة نجاحاً
مهماً في اليابان و لم تتخطاه إلى خارجها ، و صارت جزءاً من التراث السينمائي الياباني
، وقع يوجي يامادا أسيراً لهذه السلسلة و لم يتحرر منها ، و عندما قرر مطلع
الألفية تحقيق ثلاثيةٍ سينمائيةٍ عن الساموراي ، كان يعلم جيداً معنى أن تكون أسيراً لواقعك .
في فيلمه هذا الذي نافس
على دب برلين الذهبي و اكتسح جوائز الأكاديمية السينمائية اليابانية
و منح اليابان أول ترشيحٍ لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2003 للمرة الاولى
منذ 22 عاماً يقدم لنا يامادا سيبي إيغوتشي ، سليل الساموراي في النصف الثاني
من القرن التاسع عشر و الذي يمارس عملاً مكتبياً و يدير بعض الأمور المالية للعائلة
و يهتم بحسابات القلعة و مواردها ، نراه هناك يرعى والدته العجوز و إبنتيه بعد رحيل
زوجته ، يعاني روتين العمل ، و قلة الدخل ، و عاطفةً لا يملك لها ردعاً مع عودة صديقة
الطفولة للظهور مجدداً في حياته ، و بالتأكيد ، الحياة التي لا يدوم لها حال .
قبل كل شيءٍ يمكنني أن
أقول أن يامادا ينجز في هذا الفيلم أقرب و أصدق صورةٍ لعالم الساموراي شاهدتها
على الإطلاق ، يصوّر هذا الفيلم الساموراي كطبقةٍ إجتماعية ، لها عائلاتها و أنسابها ، و علاقاتها
الإجتماعية ، و أعمالها اليومية ، و بالتأكيد مدارس القتال التي تنتمي إليها ، يحرر
النص عالم الساموراي من القيد الذي وضعتها فيه السينما اليابانية لعقود مع
بعض الإستثناءات الخجولة ، الساموراي هنا إنسانٌ مسالم ، إجتماعي ، له يومياته و خططه و طموحاته
، له أصدقاء طفولة ، لديه عائلةٌ ينتمي إليها ، و لديه أبناء و زوجةٌ و أم ، لديه عملٌ
يومي و محصولٌ لا يكفيه ، و القتال ليس خياره الأول بل هو وضعٌ إجتماعيٌ يجب عليه أن
يتماشى معه كلما اضطر للقيام بذلك .
في العمق يتناول العمل
التوازن الذي يحكم الإنسان بين (المادي) و (الروحي) في حياته اليومية ، إبنة سيبي لا تعرف أين تسير في تعليمها
: هل بإتجاه دروس كونفوشيوس (الروحية) ، أم بإتجاه دروس الخياطة (المادية) ، هو ذاته يُعاب
على عدم إهتمامه بـ (نظافته الشخصية) عند زيارة كبير العائلة لتفقد العمل بالرغم من
(دقته الشديدة و مثابرته الواضحة في عمله) ، صديقة طفولته السيدة توموي تتخلى
عن زواجها (المادي) ، و تبدأ بالبحث عن (روحها) من خلال إحياء
علاقتها به ، حتى و هو يقرر التدخل في المبارزة مع زوجها السابق يختار العصا الخشبية
عوضاً عن السيف ، النصر (الروحي) هو ما يهمه و ليس القتل (المادي) ، و عندما يعرض
عليه خاله الزواج ثانيةً ، لا يعنيه الزواج (المادي) الذي يراه خاله
: "الحاجة المادية لزوجةٍ صحيحة الجسم بأفخاذٍ كبيرةٍ لحمل الأطفال"
، بالنسبة له يبقى الجزء الروحي (في مشاهدة بناته يكبرن يوماً بعد آخر) أهم و أغنى ، و عندما يقرر
خوض المواجهة الأخيرة من أجل العشيرة لا يكون منبع تردده الجزء (المادي) من الموضوع
كما يخبرهم عن تدريبه ، خصوصاً و أنه خرج للتو منتصراً من قتالٍ بسيفٍ خشبي ، مشكلته
(روحية) ، أن المسألة "تتطلب ضراوة و هدوء السباع ،
و ليس بي شيءٌ من هذا الآن" ، روحه ابتعدت كثيراً عن الحاجة لقتال أحد
، عن ضراوة الصراع مع أحد ، بقي فقط منتسباً بشكله (المادي) إلى واقعه ، أسيراً لحقيقة
أنه ينتمي إلى هذه الطبقة الإجتماعية ، عالقاً (روحياً) في مكانٍ ما خارج
هذا العالم ، يعيب عليه زملاؤه في العمل عدم مشاركتهم الشراب ، يعيبون رائحته و اهتمامه
بنظافته ، يعيب عليه خاله رفضه للزواج ، كل ذلك لأنه لا ينتمي إلى (عالمهم) ، ثم يهللون
له ، و يمتدحونه ، و يلجأون إليه عندما يجدون فيه ما ينتمي إلى عالمهم ، حيث الولاء
العشائري ، و ضراوة السباع التي يستدعيها الساموراي من حينٍ لآخر .
بصرياً هي الصورة الأجمل
و الأكثر أناقةً لعالم الساموراي منذ رائعة ماساكي كوباياشي Harakiri ، ربما لأن
النص في الأساس يحضر بشكلٍ جيدٍ لهذا العالم كي يتم تقديمه بصرياً بعد ذلك ، النص في
الوقت الذي يقربنا فيه من الساموراي و يجعله شيئاً أليفاً لنا ، لا يتجاهل الخلفية الثقافية
لوجودهم ، العشائر ، و القلاع ، و الأتباع ، و الموارد المادية ، و التنظيم ، و الطقوس
، و قيمة الولاء في ذلك العالم ، و في الوقت ذاته لا يصوّر القوة كمرتكزٍ لوجودهم و
هذا بالغ الأثر و القيمة ، و لذلك لا نراها إلا بمقدار ما يحتاجها النص ، عوضاً عنها
تغمرنا الحميمية الشديدة للصورة من خلال تفاصيل أخرى : المنازل ، و الطقوس ، و اليوميات
، الناس في أعمالهم ، و الطلاب في مدارسهم ، و بالتأكيد الطبيعة الجميلة التي تؤطر
ذلك كله .
يوجو الذي يقاتله سيبي في الختام
هو رجلٌ كان أسيراً لواقعه لفترةٍ طويلةٍ من الزمن ، كان محكوماً بالولاء للعشيرة ،
يعمل و يكد من أجل حياةٍ كريمةٍ دون أن يتناسى أنه ساموراي ، و أن لهذا الساموراي عشيرةٌ
يجب أن يمتثل لما تراه ، هناك يلتقي مع سيبي الرهين لحياته و واقعه أيضاً ، و هنا بالذات تبدو حميمية فكرة
أن يصنع هذا العمل رجلٌ كان رهيناً لصورةٍ واحدةٍ ارتبطت به على مدار أربعين عاماً
، طوال تلك السنوات كان يوجي يامادا هو مخرج سلسلة Tora-san ، بعد هذا الفيلم صار يوجي يامادا مخرجاً لـ The Twilight Samurai .
التقييم من 10 : 9
0 تعليقات:
إرسال تعليق