كتب : عماد العذري
كتابة هذه القائمة هو متعة كل عام ، على خلاف ما حدث في قائمة أفضل 10 أفلامٍ في عام 2015 أخذت الصعوبة هنا شكلاً مختلفاً تمثّل في كثرة عدد المشاهد وليس
في قلتها ، كان عاماً متخماً بالمشاهد المهمة ، صحيح أنه كان من الممكن جداً تسمية
عشرة مشاهد في القائمة دون حاجةٍ لإستذكارٍ أو إعادة ربما لأنها حفرت مكانها
مباشرةً أثناء المشاهدة ، لكن إكمال هذه القائمة من بين عدد كبيرٍ من المشاهد
احتاج لبعض الوقت .
في القائمة المبدئية توقفت عند 47 مشهداً ، كنتُ أمام خيارين : إما محاولة
التنويع بإختيار مشهدٍ واحدٍ من كل فيلم حتى لو حدث ذلك على حساب مصداقية العنوان
(أفضل المشاهد) ، أو ترك التنوع جانباً و التركيز على قيمة
المشهد حتى لو تم إختيار القائمة كلها من خمسة أو ستة أفلامٍ فقط ، وهما خياران
أفكر فيهما في الواقع كل عام ثم أختار دائماً الطريق الثاني لكنني فكرت فيهم هذا
العام ربما أكثر من اللازم لخصوصية بعض الأفلام وقرب مشاهدها من القلب ، بالنتيجة
هي قائمة تتناول مشاهدي المفضلة بناءًا على الحالة الشعورية التي تشكلت مع تلك
المشاهد ، لا أكثر و لا أقل ، لا معايير تقييمية لأفلامها ، فقط : هذه أكثر مشاهد
العام بقاءًا في ذاكرتي ، و كعادة كل عام أقول : هذه
المشاهد مفاصل هامةٌ في أفلامها و يجب ألا يقرأ عنها من لم يشاهد تلك الأفلام .
أفضل 20 مشهداً سينمائياً لعام 2015
20
مشهد Fix it من فيلم Steve Jobs
مشهدٌ مفصلي من مسرحية داني بويل ، هذا بالتأكيد واحدٌ من أفضل أفلام العام ومن أفضل
الأفلام التي قدمت في نوعه خلال الأعوام القليلة الماضية ، مديرة التسويق في آبل جوانا هوفمان
تخبر رئيسها التنفيذي ستيف جوبز عن التقديرات المتوقعة فعلاً لحجم مبيعات آي ماك خلال
الأشهر القليلة المقبلة ، مشهدٌ من مشاهد أخرى يكرّم فيها ستيف جوبز عبقريته
، لحظةٌ نشوةٍ بمشروعٍ راهن عليه في عودته إلى قيادة آبل ، كل هذا لا معنى
له من وجهة نظر جوانا وهي ترى أباً لم يستطع أن يقدم لإبنته على مدار 19 عاماً ما
تستحقه كإبنة ، حياته (الروبوتية) و محاولته التعامل مع العواطف من خلال المنطق حتى
لو كانت تلك العاطفة هي عاطفة الأبوة ، هذا هو مشهد كيت وينسلت في الفيلم
، جوانا من خلالها تبدو مثل سائلٍ وصل إلى مرحلة الغليان فخرج عن
وعاءه ، كانت تراقب علاقته بإبنته على مدار كل تلك السنوات ، و هي ترى في لحظة
إنتصار الآي ماك العظيمة هذه فرصةً مناسبةً لجوبز لتصحيح الأمور
مع ليسا ، ترى في اسلوب العقاب الذي يتعامل به مع ابنته أكبر
تعارضٍ مع شخصيته ، ألا يكترث للمال و إنما يكترث لما صنعه و ما قدمه للبشرية ،
يكترث له لأنه يعبر عنه ، ولا بد أن يكون ذلك أفضل ما فيه عندما يكون أباً ، لكنه
على النقيض أصبح عكس ذلك ، داني بويل و آرون سوركن يعزلان بطليهما في غرفة و يأخذانهما في تنوع لقطاتٍ
بين الواسعة والمتوسطة و المتوسطة القريبة ، ثم تتكفل كيت وينسلت و مايكل فاسبندر
بالباقي .
19
مشهد The Walk من فيلم The Walk
بالنسبة لأي مشهدٍ عنوان ، من المنطقي أن يكون مشهدٌ كهذا جزءًا من قائمةٍ
كهذه ، و من المنطقي بالنسبة لفيلم يتناول الحادثة الشهيرة عندما سار المغامر الفرنسي
فيليب بوتي على سلكٍ مشدود بين برجي مركز التجارة العالمي
في نيويورك عام 1974 أن تتدافع كل مراحل التحضير بإتجاه مشهدٍ مركزي نشاهد فيها
تلك اللحظة فعلاً على الشاشة ، و بالرغم من الخفة التي تناولت بها معالجة النص
عملية التحضير لهذا المشهد و بعض المسحة الحالمة غير المنطقية في التعامل مع رهبة
ما سيجري ، إلا أن المشهد ذاته يعيد للفيلم توازنه على هذا المستوى ، يعيد زيميكس خلق
اللحظة كما حدثت ذات يوم مستخدماً تقنيات الـ CGI لتوليد الرهبة المطلوبة تجاه
سلكٍ مشدودٍ على إرتفاع 110 طوابق يسير عليه مغامرٌ مجنونٌ جيئةً و ذهاباً أمام
أنظار المئات في الأسفل ، أجمل ما يحدث هنا أن روبرت زيميكس لا يشتت
المشهد ، يدرك أن المشاهد ينتظر هذه اللحظة فلا يشتته بعيداً عنها ، لا نرى من
تفاعل الجمهور إلا الحد الأدنى ، و لا نرى من تدخل الشرطة إلا الشيء الذي يشير إلى
وجوده ، عدا ذلك يترك زيميكس لمشاهد – كما لبطله فيليب بوتي – التركيز
على السلك المشدود و على قدمي بطله المعلق ، وهذا يرفع إثارة المشهد إلى أقصاها و
يجعل من السهل على المشاهد إدراك كم كانت تلك المغامرة أعجوبيةً بحق .
18
مشهد The Boyar من فيلم Aferim!
هذا مشهدٌ مؤثرٌ ومهمٌ جداً في سياق ما يطرحه رادو جود في الفيلم
الفائز بجائزة أفضل إخراج في برلين العام الماضي ، قبل هذا المشهد طارد الضابط
الروماني كونستاندين رفقة إبنه يونيتا عبداً غجرياً هرب من سيده ، يستعيدانه منتصف الفيلم و
يبدآن رحلة إعادته إلى السيد ، على مدار الرحلة يستمعان لحكايته و توسلاته ،
يخبرهم عن العقاب الذي ينتظره تكفيراً عن ذنبٍ لم يستطع تجنبه ، كونستاندين
كضابطٍ محترم كان يهوّن الأمر عليه ، يعيد التأكيد على الخطأ الذي ارتكبه العبد ،
لكنه يعده بالمقابل بأنه سيطلب من السيد تخفيف عقوبته التي لن تتجوز بضع جلدات ،
في عمق هذه الرحلة كان رادو جود يتأمل في شخصيته الرئيسية كإنعكاسٍ لسلسلةٍ طويلةٍ من
الممتثلين بني التاريخ على أكتافهم ، ثقتهم بما يفعلونه و رغبتهم – الصادقة دون شك
– أن يسيروا بهذه الحياة نحو الأفضل من خلال تنفيذهم للأوامر ، كحال الشخصيات
الرئيسية دائماً في أفلام ما عرف ضمنياً بالموجة الرومانية هناك الكثير من خيبة
الأمل ، و خيبة الأمل هنا تكون قاسيةً فعلاً ، تترك أثرها الدائم على عبدٍ بائسٍ
في عالمٍ يقوم عقده الإجتماعي على الملاك و العبيد ، و تترك أثرها ايضاً على رجلٍ
سوّق لإبنه على مدار الرحلة مبادئه و أخلاقياته و ثقته بمرؤوسيه و إيمانه بمستقبلٍ
أفضل يتم تذكره فيه ، ذروةٌ مؤثرةٌ وتضرب في الصميم .
17
مشهد It's Not Binary من فيلم Steve Jobs
واحدٌ من ثلاثة مشاهد في الفيلم يستثمر فيها داني بويل المسرحية الواضحة
في النص الممتاز الذي كتبه آرون سوركن ليصنع لحظات ومفاصل الفيلم الأهم ، في هذا المشهد
مواجهةٌ مباشرة بين المؤسس المشارك لآبل ستيف جوبز الذي طرد منها بعد فشل ماكنتوش قبل أن يقرر بدء
مشروعه الجديد NeXT
والذي أعاده مجدداً إلى آبل كرئيسٍ تنفيذي و بين المؤسس المشارك الآخر لآبل ستيف وازنياك
، الجندي المجهول في رحلة نجاح آبل ومصمم جهاز (آبل تو) الذي مثل بوابة نجاح الشركة في عالم صناعة الكومبيوتر
، للمرة الثانية في الفيلم يطلب ستيف وازنياك من ستيف جوبز أثناء إطلاقه جهازه الجديد (آي ماك)
الإعتراف بفريق عمل آبل تو الذي قامت على أكتافه نجاحات آبل وتمويل مشاريعها
والذين غادروا عملهم في آبل الآن ، جوبز للمرة الثانية يرفض ، مجدداً – وكما فعل في The Social Network – يهتم آرون سوركن
بتناول (تكريم العبقرية) لذاتها في فيلم ، يرى جوبز في تصرفه
- الذي يبدو حقيراً - تكريماً لعبقريته ، أكبر إهانةٍ لها وهي تطلق للناس مشروعاً
يراه رائداً مثل الآي ماك هو أن يتم ربطه بمنتجٍ أوشك على الإندثار هو آبل تو ، داني بويل لا يخرج
من نطاق مسرحية المشهد الذي يتم في مسرحٍ أصلاً ، يخدمه من خلال لقطاتٍ متنوعة
ومونتاجٍ فعالٍ يتجاوز تقليدية التعامل مع البينغ بونغات الحوارية ، ويمنح في هذه
المسرحية بطليه مايكل فاسبندر و سيث روغان المساحة المطلوبة لخلق حالة التناقض الصارخة بين
عبقرية جوبز و حقارة تصرفه ، بين تحوله شيئاً فشيئاً إلى جهاز
كومبيوتر يعمل بلغةٍ ثنائيةٍ لا تحتمل إلا الصفر و الواحد كقيمٍ لها ، في حين كان
يمكن كما يقول وازنياك : أن تكون مهذباً و موهوباً في الوقت ذاته .
16
مشهد A Priest in Skirts من فيلم Aferim!
أكثر مشاهد الفيلم طرافة ، رادو جود في الفيلم لا يتطرق فقط لموضوع العبودية بل هو يسخر
في الوقت ذاته من الأشكال التي سوّقت نفسها من خلالها ، العبودية تجاه القوة ،
العبودية تجاه المالك ، العبودية تجاه قسٍ في كنيسة ، في رحلتهما للبحث عن الغجري
الهارب يلتقي الضابط كونستاندين و إبنه يونيتا بقسٍ إنكسرت عجلة عربته فجلس ينتظر حلاً ، لا يحاول حتى
أن يجد حلاً لأنه حتماً سيعثر على من يوجد له هذا الحل ! ، كونستاندين و يونيتا يعرضان
خدماتهما و يقومان بإصلاح العربة ، حوارهم هنا متعة ، يسألونه عن الإيمان ، و عن
الغجر ، و عن اليهود ، و عن غايات الأمم و عاداتها حيث نظرةٌ متوقعةٌ لدونية
الشعوب الأخرى قياساً بطيبة و سمو الشعب الروماني ، جود يجعل هذا المشهد إختزالاً
لعالمية الفكاهة التي يقصدها بتناوله لهذا الموضوع ، أن ما يجري هنا حدث و يحدث و
سيحدث على مدار التاريخ طالما وجدت فلسفة التبعية هذه ، نظرة القس هذه للشعوب
الأخرى لا تأتي تطوعاً بل إجابةً لتساؤلات كونستاندين ، نظرةٌ تنتقل من التابع إلى
المتبوع كحال نظرة كونستاندين للحياة التي انتقلت إلى إبنه ، لو استبدلت هذا القس
الروماني بأي رجلٍ آخر ينتمي إلى تلك الشعوب التي تناولها فسيعطيك نظرةً مختلفةً
لحال الشعوب الأخرى ، فكاهة جود لا تنتمي لعصرها ، ما زالت تمارس و ما زالت فعالةً حتى
يومنا هذا ، كما هي عبودية الإنسان التي لم تنتهِ بعد ، غيرت شكلها فقط .
15
مشهد He was Your Boy من فيلم The Hateful Eight
أنا أحب كوانتن تارانتينو من أجل مشاهد كهذه ، بالرغم من أنني وجدت
فيها واحداً من أقل أعماله ، إلا أنه يبقى مع ذلك فيلماً لكوانتن تارانتينو ، هذا
المشهد فيه روح تارانتينو الحقيقية : خطابية الحكاية التي تسردها شخصيةٌ على
أخرى ، و صوت البيانو كخلفيةٍ للحكاية ، و الفلاش باك الذي يذهب و يعود إليه ، و
تنويع اللقطات لتوليد الضغط المطلوب على المخاطب في الحكاية ، و بالتأكيد الحوار (الماركة) الذي
لطالما ارتبط بإسم الرجل ، في هذه القطعة تحديداً من الفيلم وجدت تارانتينو
الحقيقي ، اللعيب ، الذي يستطيع أن يفعل أي شيء من لا شيء ، الميجور ماركيز وارن
يجلس وجهاً لوجه مع ساندي سميذرز ، الجنرال الذي كان على الجبهة الأخرى في الحرب
الأهلية ، قاتل الزنوج كما يسميه ، يذكره بإبنه الذي قضى دون أن يعرف عنه شيئاً ،
يحكي له حكاية اليوم الذي مات فيه ، اليوم الذي التقاه فيه ، صمؤيل إل جاكسن
أصبح أشبه بعجينةٍ سهلةٍ في يد تارانتينو بتراكم الأعمال التي جمعتهم ، في حواره هنا يعوض
المشاهد عما حصل عليه من كريستوف فالتز في عملي تارانتينو السابقين ، تباطؤه على العبارات للتأكيد عليها ،
لهجته ، ضحكته و نظرات عينيه ، في صمؤيل إل جاكسن بعيداً عن الحقائق التي يكشفها ما يستطيع
بمفرده إستفزاز الجنرال سميذرز ، وهذا بالتأكيد ما تريده الشخصية ، و تباين
الصورة التي يحققها روبرت ريتشاردسن بين قتامة محل الخردوات و إشراق الفلاشباك
تمنح المشهد خصوصيةً بصريةً مختلفةً عن الفيلم كله ، من أجل أشياء كهذه نحب كوانتن تارانتينو
.
14
مشهد Smoke Gets in Your Eyes من فيلم 45 Years
مشهد عظيم ، تتدافع أحداث الأيام الخمسة الماضية كي تصل إلى يوم الإحتفال
بالذكرى الخامسة و الأربعين لزواج جيف و كيت ميرسر ، نصل إليه بعد خمسة أيامٍ هزت حياة جيف و كيت دون أن
يطغى ذلك على سطح العلاقة بينهما ، أصبح الحفل إختباراً حقيقياً للأعوام الخمسة
والأربعين في مواجهة تلك الأيام الخمسة ، أن يطغي القليل الذي يؤلمنا على الكثير
الذي أسعدنا ، يتابع آندرو هيغ لعبة اللونين الأصفر و الأزرق في الفيلم بمدلوليهما
عن الإضطراب و التصالح مزيناً الحفل ببالوناتٍ من اللونين ، جيف الذي
يحاول الآن من خلال خطابه المؤثر عن كيت ترجمة الشعور الذي خلص إليه ربما بنهاية تلك الأيام الخمسة
، أن التفكير بأي شيءٍ في هذا العمر عدا العيش بسلامٍ مع شريكة العمر هو ترفٌ لا
يقوى عليه ، بينما يبدو ما حدث قاسياً جداً بالنسبة لكيت ، لا تبدو
ابتسامتها أثناء خطاب زوجها كافيةً لإخفاءه ، في ذروة المشهد يرقص جيف و كيت على أنغام
كلاسيكية البلاترز Smoke
Gets in Your Eyes ، يضع هايغ بطلته في الأزرق ، تسير اللحظة كما لو أن كل شيءٍ عاد إلى
مجراه ، (حينما يشتعل قلبك ، يجب أن تدرك ، أن الدخان سيعلق في عينيك)
كما تقول أغنية البلاترز ، تدرك كيت ذلك ، تسحب يديها على نهاية الرقصة بينما يبعثر هايغ الأصفر
والأزرق على وجه بطلته في نهايةٍ عظيمة .
13
مشهد Brenda Morel من فيلم Youth
في فيلم تعيش شخصياته على ذاكرتها ، يبرز مشهدٌ كهذا ، ميك باول كما
شخصيات الفيلم الأخرى يجتر ماضيه أينما ذهب ، يقيم مع فريقه في هذا المنتجع
السويسري من أجل إنهاء نص فيلمه الجديد الذي يسميه (آخر أيام العمر)
ويعتبره وصيته ، الفيلم كما يراه ميك سيقوم ببطولته رفيقة دربه بريندا موريل التي
شاركته 11 فيلماً على مدار 53 عاماً ، عندما يوشك ميك على الإنتهاء
تماماً من نصه الجديد تزوره بريندا في المنتجع ، يلتقطهما سورنتينو من بعيد ثم
يقترب منهما ، عندما يجتمعان لا تختلف المسافة بينهما عن المسافة بين صديقه فريد و زوجته ميلاني ، ما
يؤلمه أكثر من ألم انسحابها من المشروع هي العشرة ، مسحة الجحود التي يلتمسها في
نبرة صوتها و طريقة كلامها مع شخصٍ يعتقد أنها تدين له بالفضل الكبير ، تفاجئه
بريندا ، لا يعود يعنيه هنا نظرتها التي تغيرت للفن و قدرتها على الإنسحاب من عالم
السينما والتوجه إلى التلفيزيون من أجل أن تحصل على بعض المال الذي تسدد به ديونها
، ما يعنيه فعلاً هي العشرة ، الإحساس بأن حاجزاً زجاجياً إنكسر فجأة بينهما وجعله
يرى بريندا أمامه كما هي ، بريندا التي تكترث له من خلال أن تكون قاسيةً في الحكم عليه و
على مستوى أفلامه الأخيرة ، تخبره بالشيء الذي لا يخبره أحدٌ إياه ، أنه يعيش على
الماضي ، فرقها عنه أنها أدركت ذلك وتحاول التحرر منه ، ينهي سورنتينو
مباراة اللقطات المزدوجة على لقطاتٍ أكثر قرباً لبطليه متيحاً لتجاعيد وجوههم و
أيديهم أن تحكي الكثير ، مشهدٌ أحببته من فيلم مليء بالمشاهد التي تبقى في الذاكرة
.
12
مشهد A Good Friend ?
من فيلم Ex Machina
هذا أول مشهدٍ خلال مشاهداتي في عام 2015 توقعت أن أجده في قائمتي هذه
عندما ينتهي الموسم ، كان الفيلم أول مشاهداتي للعام ، أليكس غارلاند في العموم
يقدم فيلم خيالٍ علميٍ أعتقد بأنه واحدٌ من أهم إنجازات الصنف خلال هذا العقد ، يتناول
الموضوع التقليدي عن الذكاء الإصطناعي و الآلات التي تفقد إحساسها بآليتها لكنه
يقدمه من خلال طرحٍ مختلف و معالجةٍ بصريةٍ مميزة تبقى في الذاكرة ، قبل هذا
المشهد يكلف نيثن الملياردير الشاب و الرئيس التنفيذي لأكبر محركات البحث
في العالم أحد موظفي مؤسسته كايلب بمهمةٍ سريةٍ خاصة : إجراء إختبار تيرينغ على
منتجه الفريد من نوعه (أيفا) ، على كايلب هنا أن يتحقق من الحد الذي وصل إليه مستوى ذكاء أيفا
الإصطناعي و هل هو قادرٌ على تجاوزه و خداعه بمستوى حقيقيته ، هذا المشهد محوريٌ
جداً ، ليس لأنه يبدأ شيئاً مختلفاً في علاقة كايلب بآيفا من خلال
الشعور المتولد عنه أن آيفا وصلت إلى المستوى الذي أدركت به خداع وكذب نيثن و تريد
أن تنقل رؤيتها هذه إلى كايلب ، بل لأنه أيضاً سيجعل من تفهم كايلب و تقبله لما
جرى وتعاطفه مع آيفا ومن ثم وقوعه في حبها شيئاً منطقياً كتمهيدٍ لجعلنا ندرك لاحقاً
الكذبة الكبرى التي مورست عليه : أنه لم يكن هنا الشخص الذي يجري إختبار تورنغ
، بل كان الشخص الذي يجرى عليه إختبار تورنغ ، النجاح الذي كان يقصده نيثن هنا ليس
في دفع كايلب لإثبات (بشريتها) ، بل كان إيصال كايلب إلى مستوى من
الإقتناع يجعله يتناسى (روبوتيتها) و بالتالي يساعدها في خطة هروبها ، أن يحقق مبدأ إختبار تورنغ دون
أن يدري حيث لا يجب على العنصر البشري أن يعرف بروبوتية الروبوت أصلاً وهو يتعامل
معه ، يغمس أليكس غارلاند المشهد في اللون الأحمر و يسلمه بإمتياز إلى أليسيا فيكاندر
التي تمارس علينا كمشاهدين ذات ما مارسته آيفا على كايلب وهي تبدأ رحلة انعتاقها هذه .
11
مشهد The Worst Night in My Life من فيلم Steve Jobs
أكثر متواليات الفيلم محورية و أكثرها بقاءًا في الذاكرة ، على أعتاب إطلاق ستيف جوبز
لمشروعه الجديد NeXT
يزوره الرئيس التنفيذي لآبل جون سكولي محاولاً فهم لماذا يعتقد الناس أنه قام بطرد ستيف جوبز من آبل ، في هذا
المشهد (كما في مشاهد جلسات الإستماع في The Social Network) يكثف آرون سوركن
على تكريم شخصياته المحور لعبقريتها ، أن تخسر أي شيءٍ مقابل ألا تشعر بإهانةٍ
لعبقرية ما تفعله ، ستيف جوبز هنا يبدو كمن أقنع نفسه خلال السنوات الماضية أن ما
فعله سكولي تجاهه وهو الذي وافق إبتداءًا على مشروع ماكنتوش
وتصميمه وحملته الدعائية كان يريد حرق ستيف جوبز في آبل وهو ما حدث فعلاً بعد فشل المنتج ، داني بويل
يبدأ المشهد في ممرٍ طويلٍ ممتلىءٍ بالكراسي على جانبيه ثم يزاوجه في لعبة مونتاج
معقدة مع الأحداث المتسلسلة وصولاً إلى مشهد الطرد الذي تحاول فيه الشخصية
الرئيسية الإنتصار لعبقريتها (بوجود المطر كما The Social Network) على حساب ما تراه جهل مجلس
المساهمين في الشركة و جهل المستهلكين لقيمة النظام المغلق الذي وضعته في ماكنتوش ،
مشهد الإجتماع الذي شكل الليلة الأسوأ في حياة ستيف جوبز هو حياة ستيف جوبز في
كبسولة : عبقريته و جنونه و أنانيته و تصلب رأيه و إيمانه بما يراه و استصغاره لما
يراه غيره ، على مدار الفيلم يلعب مايكل فاسبندر المباريات الحوارية واحدةً تلو الأخرى ، هذه
تحديداً في مواجهة جيف دانييلز هي الأفضل في الفيلم .
10
مشهد Iron Man
من فيلم The Martian
التعامل مع هذا الفيلم كفيلم خيال علمي (فعلاً) أو كفيلم نجاة
(فعلاً) كانت من الأشياء التي استغربتها كثيراً ، هذا الفيلم
أقرب إلى حالةٍ من الكوميديا عن النوعين دون أن يتحول إلى سخريةٍ منها ، و الملفت
في اعتقادي أن ذلك يبدو واضحاً جداً للمشاهد ، كل تفاصيل الحكاية و أحداثها و
حواراتها ، ما يحدث في المركبة و ما يحدث في ناسا و ما يحدث في المريخ أو ما يحدث
مع الوكالة الصينية هو عبارة عن تسلسل ذكي من كل كليشيهات الصنف موضوعة بجوار
بعضها البعض وموظفة بحنكة لتخلق هارموني جميل و نتيجة ممتعة ، استمتعت فعلاً أثناء
مشاهدتي للفيلم ، و مشهد الإنقاذ هنا لا يختلف في شيء عن ذلك الخط الذي وضعه
إقتباس درو غودار و إخراج ريدلي سكوت ، تستمر الحكاية في إضفاء مسحة الكوميديا على
تفاصيل عملية الإنقاذ سواءً على المركبة أو من خلال التواصل مع ناسا أو في
طريقة مغادر مارك واتني لمركبته ، كل تفصيل يحمل مقداراً من الخفة لا
تتناقض – بغرابة – مع جدية عملية الإنقاذ ذاتها و لحظة الإنتصار التي تحققها ، كل
شيءٍ يبدو هازلاً دون أن يكون ساخراً : غطاء مركبة واتني المرمي ،
الجمهور المكدس في الشوارع في إنتظار العملية ، الحسابات التي تخالف التوقعات ،
العملية المدروسة التي توشك على الفشل في لحظاتها الأخيرة ، مزاح واتني مع
قائدته ، دورانه مع مركبته حول ذاتها ، خرقه لبزة الفضاء كي يمنح نفسه دفعةً
إضافية ، قنبلة السكر التي يتم تحضيرها في اللحظات الأخيرة ، تدخّل القائدة شخصياً
لتنفيذ المهمة ، ثم إثنان من أكثر نجوم هوليوود شعبيةً يتدافعان في الفضاء بإتجاه
بعضهما البعض كي يصنعا لحظة الإنتصار التي لا تنسى .
9
مشهد The Projector
من فيلم 45 Years
بعض المشاهد لا تحتاج للكثير لتعيش في الذاكرة ، هذا المشهد هو إمرأةٌ عجوز
و بروجكتر ! ، بعد ليلةٍ استيقظت فيها على صوت زوجها جيف في العلية ،
يسيطر الشك على عقل كيت و قلبها ، يومٌ آخر وهي تفكر بالأمر بينما تقوم بتحضيراتها
الأخيرة لحفل عيد زواجهما الخامس و الأربعين ، في اليوم التالي تقترب من العلية ثم
تبتعد ، هنا فضول المرأة و غيرتها و شكها ولا يمكن لأي شيءٍ أن يقف أمامه ، تصعد كيت إلى
العلية ، تقلب في دفتر جيف القديم حيث رحلاته وصوره و ذكرياته والرسائل التي كتبت له
، قبل أن تعثر كيت على قرص البروجكتر حيث تجلس لتقلب في ذكريات جيف مع صديقته
كاتيا في سويسرا ، يلتقط آندرو هايغ المشهد من
وراء البروجكتر كي يتيح لمشاهده إلتقاط (ما تشاهده كيت) و (رد فعل كيت على ما تشاهده) في الوقت ذاته دون اللجوء للمونتاج
، كان ذلك فعالاً جداً ، تتوالى اللقطات مثل كابوس ، جميعها تكون مؤلمةً لكيت بعيداً
عن أي حقائق تتكشف ، إحساسها بأن ما عاشها زوجها معها كان نتيجةً لإختفاء هذه
المرأة من حياته ، هذا المرأة التي يعترف لكيت بأنها لو عاشت لكان تزوجها ، صورة تلو أخرى تتكلم عينا شارلوت رامبلنغ ، قبل
أن تكتشف حقيقة كاتيا ، الشيء الحقيقي الذي تعنيه لجيف ، إختياره
الحقيقي التي كانت ستصبح حياته كلها لولا ذلك الإنزلاق الجليدي ، كيت التي صعدت
إلى العلية قبل قليل مختلفةٌ جداً عن تلك التي ستنزل منها .
8
مشهد Take Her To The Moon For Me من فيلم Inside Out
اللحظة الأجمل في فيلمٍ فيه من الجمال الكثير ، أصبح عرفاً في كل كلاسيكيات
بيكسار أن نحتفظ بمشهدٍ أو إثنين من كل فيلم ، في رحلة جوي الطويلة
مع سادنس لإعادة التوازن إلى حياة رايلي تلتقيان بينغ بونغ ،
صديق الطفولة التخيلي الذي تلجأ اليه رايلي في لحظاتها العصيبة ، توتورو هذه الحكاية ،
رافقها على مدار سنوات و لطالما وعدها بالذهاب سويةً إلى القمر ، عندما تفقد جوي و سادنس فرصتهما
في الوصول مجدداً إلى مركز القيادة بعد إنهيار جزيرةٍ أخرى أثناء عودتهم في قطار
الذكريات تجد جوي نفسها رفقة بينغ بونغ في مكب الذكريات ، تتأمل الكرات المبعثرة من حولها
عن تلك الذكريات التي آن أوان التخلص منها ، تحاول جوي الصعود لكن بينغ بونغ
يخبرها أنهم أصبحوا منسيين ، مثل هذه الذكريات ، جوي لها عشرتها
الطويلة مع هذه الذكريات المنسية ، عاشتهم لحظةً بلحظة مع رايلي و هي
تكبر ، يعثران على مركبة القمر ومعها يبدآن محاولتهما للعودة إلى المركز ، محاولة
فاشلة تلو أخرى ، وعندما يدرك بينغ بونغ أن يده بدأت تتلاشى فعلاً كبقية الذكريات المنسية
يطلب من جوي محاولةً أخيرة ، يقفز بينغ بونغ في لحظة
الإندفاع ليحرر المركبة من وزنه ، يترك جوي تصل إلى هدفها بدونه ، ثم يذكرها أن تأخذ رايلي إلى
القمر من أجله ، صديق الطفولة التخيلي الذي نتخلى عنه عندما نكبر .
7
مشهد Everything
Comes Full Circle من فيلم Carol
أجمل قفلة في سينما ٢٠١٥ ، تود
هاينز يخلق النقيض الشعوري
لثلاث نهاياتٍ عظيمة لكلاسيكيات الحب المحرم في Brief Encounter و Far
From Heaven و Brokeback
Mountain ، روني مارا هي أيضاً تقدم في المشهد الإنفعال المتدرج المعكوس لقفلتها
العظيمة الصامتة في The
Girl with the Dragon Tattoo ، تتدرج بعظمة بين ثلاث لوحاتٍ تعبيريةٍ عن الرهبة و
الغضب و التصالح في الختام ، هاينز كما رواية هايسميث ينتصر لبطلتيه ، يتيح لهم الإستمتاع بذلك الإنتصار ، هناك
نوعان من المشاهد التي تعلق في الذاكرة عادةً ، نوعٌ يحتاج للكثير و الكثير من الإبهار
البصري والإمكانيات التي تتيح نتيجتها المؤثرة (بصرياً) التصاق المشهد في الذاكرة ، ونوعٌ لا يحتاج لأي شيء ، وهذا
المشهد لا يحتاج لأي شيء ، فقط ممثلةٌ تدخل إلى (ذا أوك
روم) تبحث عن ممثلةٍ أخرى
، تلمحها و تسير بإتجاهها حتى تتوقف أمامها ، هذا هو كل تسلسل المشهد بكل بساطة ، لكن
بالتأكيد ليست هذه هي النتيجة التي نحصل عليها مع هاينز ، هاينز بعيداً عن الإنتصار للرواية وبعيداً عن الإنتصار لبطلتيه
ينتصر أيضاً لفيلمه ، يمنحه النهاية التي تستحقها قيمته ، النهاية التي لا تقل كلاسيكيتها
عن كلاسيكيته ، كان لا بد أن ينتهي إلى شيءٍ بمثل هذه العظمة .
6
مشهد Sex
من فيلم Anomalisa
واحدٌ من أكثر مشاهد العام إختلافاً قبل إطلاق الفيلم حتى ، كان الجميع
يتحدث عن مشهدٍ جنسيٍ منتظر في فيلم ستوب موشن أنيميشن يخرجه شارلي كوفمان ! ، قدرة هذا المشهد على الإلتصاق بالذاكرة لا
تنبع فقط من غرابته و إختلافه ، هو في الأساس يأتي ضمن متواليةٍ طويلةٍ تجمع هذين
الغريبين في غرفةٍ في فندقٍ في سينسيناتي ، طول المشهد يتفاعل مع حوارات شارلي كوفمان
و مع البعد المأساوي المنسل في حكاية بطلنا توم ، ليسا التي
نراها مع توم إمرأةٌ خجولةٌ منطويةٌ لا تعرف تماماً ما الذي تريده وتلوم
نفسها كثيراً على تصرفاتها ، عندما يبدأ هذا المشهد تتحول ليسا –
كإنعكاسٍ لرؤية توم لها – إلى إمرأةٍ واثقةٍ تعرف تماماً ما الذي تريده من توم أن يفعله
في الجنس ، في المشهد يحاول شارلي كوفمان أن يمنح لتوم مساحةً أعمق للتعبير عن وحدته و عزلته و انغماسه في عالمه
من خلال مطاوعة ليسا له منذ لقاءه بها : القدوم الى غرفته ، الشراب ، الحديث ،
طلب الأغنية ، المطاوعة الجنسية ، توم يتعامل مع ليسا وكأنما هو من يجعلها مميزة ، ينتصر لنفسه عندما يمنح نفسه
شعور إرضاء إمرأة : أن فضّلها على إيميلي ، أن ينظر في وجهها في حين أنها تعتقد أن الناس لا
يحبون ذلك ، منحها الإعتقاد بأنها رائعة بالرغم أنها مجرد (عاملة هاتف)
كما ترى نفسها ، عندما تأتي لحظة الجنس تكون أشبه برد توم الخاص على تلك
الأزمات التي يعيشها ، مساحة التعبير عن ثقته بنفسه و عن هواجسه في التواصل وعن حس
الإرضاء الذي يريد منحه لإنسانٍ آخر ، مشهدٌ مؤثرٌ و مؤلمٌ يصنعه شارلي كوفمان
من خلال دمى ، مجرد دمى .
5
مشهد Flung
out of Space من فيلم Carol
المشهد المفضل شخصياً لدى كيت
بلانشيت و روني
مارا ، تحدثت عنه
مطولاً في مراجعتي للفيلم ، تقول بلانشيت بأنه كان مشهدهما الأول معاً في التصوير وكان أمامهم اليوم
بأكمله لتصويره ، مارا عادت إلى العمل
بعد عامٍ كاملٍ قضته في الترويج لأفلامها ، عندما قرأت النص كانت سعيدةً بأن أحداث
الفيلم تدور في نيويورك الأمر الذي سيتيح لها البقاء أخيراً بضعة أشهرٍ في منزل العائلة
، لكن التصوير في سينسيناتي بولاية أوهايو (التي تشبه نيويورك القديمة) أصابها بخيبة أمل تآزرت في موقع التصوير مع
رهبتها الشديدة تجاه الوقوف أمام بلانشيت تحت إدارة هاينز الذي تريد أن ترتقي أيضاً إلى مستوى أداءات نساءه ، هذا
التوتر استغله هاينز جيداً من خلال ترتيب
تصوير المشاهد على هذا النحو ، أراد أن يستغل الرهبة الواضحة لدى مارا تجاه بلانشيت في لقائهما الأول في موقع التصوير كي تنعكس على رهبة تيريز تجاه كارول ، كل تلك الرهبة زالت في الموقع عندما التقت مارا مدير التصوير إد لاكمان بهزله الدائم و حركته المتباطئة ولهجته النيويوركية الثقيلة
، تقول بأنها تدين بنصف أدائها - خصوصاً في هذا المشهد - لإد
لاكمان الذي خلق صورةً بالغة
الحميمية تجاه وجهها ووجه بلانشيت متيحاً للمشاهد التقاط
أبسط تفصيلٍ فيه ، فلسفة لاكمان في الإضاءة التي تجعل
وجوه ممثليه جزءاً من المكان منحت هذه المباراة الأدائية متعةً حقيقيةً في اعادتها
مراراً و تكراراً ، تقول بلانشيت عن المشهد أنه (أشبه بلعب مباراة تنس مع مصنفٍ عالمي) ، ترد عليها مارا بإنبهار (مع المصنف
الأول) .
4
مشهد Storm is Coming من فيلم Mad
Max: Fury Road
الذروة المبكرة في الفيلم ، جورج
ميلر خلال الثلث الأول
من متواليته المجنونة يخبر مشاهديه أنهم مقبلون على الكثير ، ويتيح لشخصياته أن تواجه
تحديها الأصعب قبل الفرار أو الوقوع ، بعد عملية إحماء تستمر مدتها خمس دقائق يرفع
جورج ميلر جنون فيلمه إلى
الذروة ، ما أن يستدير نوكس بسيارته التي تسير
الى الخلف حتى يضعنا ميلر على الصورة المرعبة
لما ينتظرهم ، تتجول كاميراه بين مجاميعه المنطلقة بشاحناتها قبل أن يقطع على العاصفة
في لقطةٍ واسعة ثم يغوص فيها مع أبطاله ، في تصميم العاصفة من الداخل هناك شيء من روح
الكوميكس يتناسب مع فيلمٍ منفذٍ عن ستوري بورد ، البرق و الزوابع و الألوان و الشاحنات
المتطايرة و المسافات بين مجموعةٍ و أخرى ، قطعةٌ مما بعد الحياة تجعلها حالة
السكون التي تعقبها أشبه بمرحلةٍ برزخيةٍ في طريق خلاص بطلاته ، الصورة الأولى لذروة
متوالية الفرار هذه ، لا يمكن تخيل مقدار الأثر الذي تخلفه موسيقى جانكي
إكس إل على المشهد إلا
بمشاهدته ، ست دقائق لا تنسى .
3
مشهد Lincoln Tunnel من فيلم Carol
المشهد المفضل لدى تود هاينز في الفيلم و
أكثر مقطوعات العام بنظري قدرةً على التأكيد على قيمة السينما كـ (فن) ، هذا المشهد
كان أزمةً حقيقة لتود هاينز عندما قرأ النص ، فكر به منذ اللحظة الأولى لأنه أدرك
محوريته منذ اللحظة الأولى ، وفي فيلمٍ يريد فيه هاينز سبر شعور (الوقوع في الحب)
كان أمراً محيراً بالنسبة له كيف يمكن لمخرجٍ أن يترجم (الشعور) إلى (صورة) ، وعندما
قرأ الرواية لاحقاً قبل بدء التصوير ووصل إلى هذا الجزء منها قال لنفسه : That's it
، أراد هاينز أن ينقل تلك الترجمة الشعورية التي وصفتها هايسميث في روايتها
عن تمني انهيار النفق على كارول و تيريز وتمني أن ينتهي كل شيء على هذه الحالة ، شعور الديمومة /
الحلم / الغيبوبة / الشيء الذي يستمر للأبد ، هذا المشهد القصير كلف هاينز يوماً كاملاً
من التصوير لأنه كان من الصعب العثور على نفقٍ متوفر يمكن اغلاقه للتصوير يمتلك الطول
المناسب لخلق حالة الديمومة تلك ، فقام بتصويره في نفق قصير و أعاده أكثر من عشر مرات
وجرب عدة حلول بصرية للتعامل مع المكان و الاضاءة ليخلق تلك النتيجة العظيمة .
2
مشهد Truck.
Wiggle out. Jump. Run. Somebody من فيلم Room
الحصول على هذه الكمية المندفعة من الأدرينالين في فيلم لا
يحمل طابع الإثارة أصلاً و من خلال طفلٍ صغيرٍ موضوعٍ في لفافةٍ و مرميٍ في صندوق شاحنة
أمرٌ غريب ، الأكثر غرابة أن تزداد تلك الكمية في المشاهدة التالية ! ، ليني آبراهامسن
يصنع نقطة التماس بين عالمي فيلمه من خلال أفضل مشاهد الفيلم وأكثرها بقاءًا في الذاكرة
، كاميرا داني كوهن منذ كانت في الغرفة تصادق جاك و تتماهى مع حركته
وتصرفاته ، و هنا تصبح شريكته في مساحته الضيقة جداً - و الأولى - للتماس مع العالم
الخارجي ، قبل أن تلتقط الشاحنة من الأعلى و تتفاعل مع موسيقى ستيفن رينيكس و
مونتاج نيثن نوجنت العظيم في هذا المشهد ليصنع هذا الهارموني لحظةً تتجاوز المعنى
التقليدي المفترض للإنعتاق معطيةً صورة أقرب إلى الولادة ، جاك ولد الآن في
هذا العالم ، ولد في الخامسة من عمره ، خرج من رحم هذه اللفافة ، حصل على الشيء الذي
لم يحصل عليه عندما ولد فعلاً ، الهواء و الأصوات و الحرارة و زرقة السماء ، و كاميرا
داني كوهن تتيح له استقبال هذه اللحظة من خلال أجمل - وأشهر - كلوز
آب في سينما ٢٠١٥ ، و وجه جيكب تريمبلاي !!
1
مشهد Brief Encounter من فيلم Carol
مشهدي المفضل جداً في 2015 ، لا أتذكر على
وجه التحديد كم مرة شاهدته ، كانت هناك مشاهدات مخصصة لوجه كيت بلانشيت و
مشاهداتٌ مخصصة لوجه روني مارا ، أجمل بينغ بونغ حواري في عام 2015 ، هذا مشهد مهم
و مؤثر و عظيم ، مهم لأنه يحقق باكراً جداً حالة الربط المستهدفة من تقديم تود هاينز
لعلاقة حبٍ محرمةٍ أخرى تستلهم رائعة ديفيد لين العظيمة ، و مؤثر لأنه لا يحتاج لأي معلومةٍ إضافية عندما
يطل علينا مطلع الفيلم كي يخبرنا بأن وراءه الكثير و الكثير و ما تحكيه فيه ملامح بلانشيت و مارا دفعٌ
قويٌ تجاه إكمال حلقة الحكاية عليه مجدداً عندما يصل قطار ديفيد لين إلى
وجهته ، و عظيمٌ بسبب تفاصيله ، وجه كيت بلانشيت في المشهد حكايةٌ تروى ، بلانشيت تقدم في هذا
المشهد أرق و أضعف (كارول) في الفيلم كله ، كارول مرّت على مدار
الفيلم بتقلباتٍ فيها القوة و الضعف و التشوش و الثقة و العاطفة و الجفاء ، لكنها
لم تكن رقيقةً وهشةً كما هي هنا ، كارول التي تقدمها بلانشيت هنا تدرك ربما أنه بنهاية هذه اللحظة على رحيلها خائبة
ستكون قد خسرت كل شيء فعلاً ، هناك إنكسار عظيم توجده كيت بلانشيت في وجه كارول وفي
نبرة صوتها بعد حضور جاك وهي تكابر على نفسها وتطلب من تيريز الذهاب معه ، بينما
لا تسمح لها روني مارا أن تتفرد وحدها ، تتسلح بعينيها و بستة أسطرٍ حوارية
لتقارع بلانشيت ، أعشق كل تفصيلٍ في هذا المشهد : نبرات الصوت المتذبذبة ، نظرات
العينين اللغز ، مساحات الصمت المدروسة ، حالة التناقض التي تخلق بين عيني روني مارا
(المتراوحتين بين غضب الحالة ونشوة اللحظة) مع تعديل تيريز لهندامها عندما
تخبرها كارول كم هي جميلة وأنها (تتفتح) ، لحظة الصمت
الفاتنة - مع عقلٍ يفكر الآن بسرعة الصاروخ - قبل أن تخبر تيريز كارول برفضها
، يد كارول توضع على كتف تيريز في ختامٍ مؤثر ، المشهد هو تتابعٌ من أربع دقائق من
التفاصيل الصغيرة الفاتنة : اللحظة التي تكسر فيها عبارة كارول (أحبك) - التي
تقال للمرة الوحيدة في الفيلم - شيئاً في غضب تيريز وحنقها - وندرك
نحن من خلال عيني روني مارا أن ذلك قد حدث - هي لحظة فاتنة ، اللحظة التي ينعكس
فيها ذلك الإنكسار على تيريز عندما تدرك مع قدوم جاك أن كل شيء سينتهي
برحيل كارول الآن فتسألها بإنحرافٍ مؤثر في صوت مارا Are you sure ؟ هي لحظةٌ عظيمة ، واللحظة التي تميل فيها روني مارا رأسها نحو
اليمين وتنقل عينيها من حالة الغضب و الحنق والازدراء التي سيطرت على تيريز منذ
قدومها إلى حالةٍ هي مزيج من الأسى و الفضول والإنكسار ورغبة تهوين الأمر على كارول لتسألها
سؤال الخيارات الوحيد الذي يراودها الآن Have you seen Rindy ؟ هي الثواني الخمس المفضلة لدي في ٢٠١٥ .
0 تعليقات:
إرسال تعليق