•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الجمعة، 19 يونيو 2009

X-Men Origins: Wolverine

كتب : عماد العذري 

بطولة : هيو جاكمان , ليف شريبر , رايان رينولدز 
إخراج : غايفن هود
 
في الفيلم السينمائي الرابع لسلسلة السوبر هيروز الشهيرة من شركة مارفل X-Men  يتناول المخرج الجنوب أفريقي غايفن هود منشأ البطل الأعظم للسلسلة رجل المخالب الذي لا يقهر وولفرين. يعود بنا إلى البدايات في ليلة سوداء من عام 1845 يقتل فيها لوغان الصغير والده الحقيقي دون أن يدري إنتقاماً لوالده المزيف في نوبة غضب عارمة أطلقت – لأول مرة – مخالبه من أماكنها وأظهرت لرفيقه فيكتور كريد – الذي أصبح وفقاً لأحداث هذه الليلة أخاه غير الشقيق – أي إنسانٍ هو أخوه. يكتشفان سويةً القدرات الخارقة التي ولدا بها والدماء المطفّرة التي تسري في عروقهما ، وعلى مدى عقود عديدة وجدا نفسيهما لا يشيخان ، قاتلا في الحرب الأهلية الأمريكية والحربين العالميتين وحرب فيتنام ، وإنضما إلى فرقةٍ حكومية سرية من أجل القيام ببعض المهمات الخاصة التي تستلزم قدراتهما غير الطبيعية ، قبل أن يفرق بينهما آخر شيء تصورا أن يفرق بينهما في يومٍ ما : الإنسانية ! 

قبل ثلاثة أعوام من هذا الفيلم منح الجنوب أفريقي غايفن هود بلاده أوسكارها الأول في فئة أفضل فيلم أجنبي عن فيلم Tsotsi. بعدها بعام أوكلت له مهمة إخراج واحدٍ من أكثر أفلام 2007 إنتظاراً ، لكن Rendition لم يلق الحفاوة ذاتها التي قوبل بها سلفه الأفريقي على الرغم من نجوم الصف الأول الذين تواجدوا فيه : ميريل ستريب و ريس ويذرسبون و جيك جيلنهال و آلن آركن. مع ذلك ، بقيت النقاشات التي حظي بها الفيلم ضمن إطار الدائرة ذاتها التي وضع فيها Tsotsi ، فكلاهما حملت حبكته ذاتها النصيب الأكبر من أهميته ، على الرغم من تباين النتيجة بينهما. لكن مع إعلان شركة مارفل إسناد المهمة الأولى في سلسلتها الجديدة Origins التي تتحرى أصول أبطال X-Men ونشأتهم إلى المخرج الجنوب أفريقي حتى وضعت قلوب عشاق مارفل على الأكف ، فالفيلم يشكل نقلةً نوعيةً كبرى وتحولاً يصعب التنبؤ بنتائجه خصوصاً مع كون هكذا عمل يحتاج لخبرة مخرجٍ هوليوودي حقيقي يدرك جيداً كيف يمسك عصا أفلامٍ كهذه من منتصفها مقدماً إقتباساً جيداً ومتعةً بصرية ترضي عشاق السلسلة. في هذا السياق يمكنني أن أقول بأن غايفن هود لم يكن أهلاً لهذه المسئولية ! 

في بدايات هذا الفيلم يعود بنا غايفن هود إلى اللحظة الأولى التي إكتشف فيها جيمس لوغان أي المخلوقات هو. الفتى المريض الذي يجد والده مقتولاً فيقتل قاتله في نوبة غضب قبل أن يكتشف بأن القاتل هو والده الحقيقي وأن صديقه فيكتور كريد (إبن القاتل) ما هو إلا أخوه الأكبر ! بداية تبدو من منظورٍ ما مشوقةً ومختصرةً وكافيةً ، لكنها تبدو من زاويةٍ أخرى مفرطةً في الهزلية ، حتى أنها تبدو أكثر هزلية من عمل الكوميكس ذاته ! هذه الهزلية لا تبدو عابرة خصوصاً مع الفلاشباكات التي تعقب مشهده الإفتتاحي. ترينا هذه الفلاشباكات المقتضبة ما فعله لوغان وفيكتور في ذروة شبابهما عندما قاتلا في الحرب الأهلية الأمريكية والحربين العالميتين وحرب فيتنام مستعرضاً بطريقةٍ مباشرة عنف فيكتور كريد الذي لا يمكن تجاهله. في هذه الفلاشباكات سنتساءل عن جنسية لوغان الفعلية : هل الرجل كندي فعلاً كما يدعي و كما يقول مكان ولادته ونشأته ؟ و كيف يمكن تبرير هذا الإدعاء مع التداخل الواضح الذي نجده في مسيرة الرجل و خدمته للولايات المتحدة ؟ ربما يبدو تساؤلاً عابراً في بداية الفيلم لكنه ما يلبث أن يطفو على السطح مجدداً عندما يهرب لوغان من الوضع الجديد الذي وجد نفسه فيه تحت قيادة العقيد سترايكر وكم العنف والدموية التي واجهها في عملياته معه. لوغان يعود إلى كندا حيث يقيم هناك لفترةٍ من الزمن رفقة فتاةٍ حسناء تدعى كايلا سيلفرفوكس ، ثم يرفض العمل مع سترايكر مجدداً بحجة كونه كندياً ! تشويش ربما يبدو بسيطاً إلى درجة السذاجة لكنك لا تستطيع الهرب منه ! 

إهتزاز الفيلم أيضاً - في بعض مراحله - يبدو عنيفاً وغير قابل للتجاوز خصوصاً في المرحلة التي يحدث فيها إنقسام لوغان على مجموعة العقيد سترايكر والتوحش (الحيواني) الذي يصيب شخصية فيكتور كريد دون مبرر منطقي أو تحول تدريجي يمكن التعامل معه. فجأةً يجد المشاهد نفسه مجبراً على التعامل مع شخصية متوحشة وعنيفة (لا تدري هي ذاتها سبباً أو هدفاً لذلك !) و شخصية تنبذ العنف وإراقة الدماء ! وهي جزئية نتجاوزها بسهولة في شخصية وولفرين من واقع معرفتنا المسبقة بها من أفلام السلسلة السابقة. هذا الإنقسام بين الأخوين يبدو غير مبررٍ بالمرة وغير ذي هدف ويبقى على المشاهد أن يجهد ذهنه في محاولة إقناع ذاتية بأن ما يحدث هو أمرٌ منطقي وذو هدف دون جدوى ، و العلاقة ثلاثية المراحل التي تربط الأخوين (رفقة – عداء – رفقة مجدداً) تبدو واهيةً وغير مفسرةٍ لدرجة تهدم بها الأركان التي يحاول أن يبني عليها الفيلم إثارته وتسلب بالمقابل شخصية السوبر هيرو أي غنىً يمكن أن تحصل عليه ، خصوصاً أن شخصيات السوبر هيروز (سينمائياً) لم تعد تحتمل أن تقدم بمثل هذه السطحية بعد كم النجاحات التي حققتها مؤخراً . 

 مع ذلك ، هناك إيقاعٌ موزون (رغم خفة النص) يسير عليه الفيلم في نصفه الأول مستثمراً رتم إثارة مقبول لا يخلو من عيوب. ومع محاولة إقتناع المشاهد بدوافع فيكتور الذي يريد الركون إلى الحياة الهادئة من خلال عباراتٍ مباشرة مثل (نحن لسنا مثلهم) يمكنه أن يتقبل العمل كفيلم إثارة وتشويق - وإن بشكلٍ محدود - خصوصاً في المرحلة التي يعثر فيها فيكتور على أخيه في الجبال الكندية والطريقة التي يعترض بها سبيل كايلا ثم يقتلها. ربما هي مرحلة تحتاج لرفع نسق الإثارة بهذه الطريقة لتدعيم الركن الأهم الذي يحاول هذا الفيلم أن يؤسسه (كيف تحول لوغان إلى وولفرين) ، لكن هزلية الفيلم تستمر عندما يدرك لوغان أثناء عملية التحول محاولة سترايكر محو ذاكرته - التي يحتاجها من أجل الحفاظ على هدفه - فيفر قبل أن يمنح سترايكر غايته. وعلى الرغم من أن الحبكة ذاتها تتطلب أن يحتفظ لوغان في هذه المرحلة بذاكرته إلا أن ما نشاهده على الشاشة يبدو مهترءاً وغير منطقي وخاضع لسياسة (مسبق الصنع) التي ينتهجها النص بسذاجة أحياناً، خصوصاًَ مع عمليةٍ بالغة الخطورة كهذه. 

هزلية النص (الذي كتبه الروائي ديفيد بينيوف مع السيناريست سكيب وودز) تبلغ ذروتها في مرحلة لاس فيغاس حيث يحاول وولفرين لم شمل المتحولين باحثاً عن فيكتور. تبدو هذه المرحلة ظريفةً ضمن سياق لا يحتمل ظرافتها ، خصوصاً مع لجوء وولفرين للبحث عن ريمي ليبو ، الرجل الوحيد الذي نجح في الفرار من جزيرة سترايكر. في هذه المواجهة الثلاثية بين ليبو و وولفرين وفيكتور يصل تصنّع النص إلى ذروته في قتال يفتقر لأبسط مقومات الإقناع خصوصاً في غياب التناغم بين الأهداف التي تحرك الأطراف الثلاثة ، خصوصاً مع ريمي ليبو الذي يعود للمعركة بطريقة مختلقة وسهلت – ولا أدري لماذا ؟ - من هروب فيكتور ! هذه الهزلية تُفقد مراحل الذروة على جزيرة سترايكر الحافز والجاذبية. 

 وعلى الرغم من أن مشاهد القتال والأكشن في هذا الفيلم منفذةٌ بشكلٍ جيد - تقنياً - إلا أنها - ببساطة - غير مثيرة ، ربما بسبب إفتقاد الفيلم للعمق الذي يجعل إثارتها منطقية . في جميع أفلام السوبر هيروز تنبع الإثارة من العالم الإفتراضي الذي يبنى حول هذه الشخصيات : باتمان لا يطير لكن يمكنه أن يحلق بفعل بعض أدوات المساعدة ، لكن سوبرمان يطير ، و سبايدر مان يتسلق جدران ناطحات السحاب بفعل خيوط عنكبوتية ! عالمٌ إفتراضي له قواعده وأركانه ومنها يستمد بريقه وإثارته ، لذلك قد لا تستسيغ بسهولة فكرة أن ترى سبايدر مان يحلق في الفضاء الخارجي على الرغم من كونه ببساطة سوبر هيرو ، لأنه في الواقع يخرق حدود العالم الإفتراضي الذي بني حول شخصيته. في هذا الفيلم هناك إختراقات متعددة تبدو مروضةً فقط لجعل الحبكة منطقية في سبيل إيصالها إلى بر الأمان وربطها بالجزء الأول من السلسلة السينمائية (الذي يكون تالياً لهذا الفيلم في أحداثه). تفاصيل من قبيل رصاصة الأدمانتيوم التي لا تقتل وولفرين لكنها تفقده ذاكرته ، و رأس Deadpool الذي يستمر بإشعال النار بعد قطعه في المعركة الختامية ، وفكرة المتحولين الذين لا يشيخون لكن أعمارهم تتوقف بالذات عند مرحلة الرجولة (على الرغم من توقف البعض في مرحلة الطفولة بينما وصل البعض الأخر إلى أعمار متقدمة). الفيلم كأي فيلم بدايات وضع في الأساس للإجابة عن بعض التساؤلات و ملء بعض الفراغات التي خلفتها السلسلة (التالية له في أحداثها) ، لكن للأسف هذا الفيلم بدلاً من أن يملأ تلك الفراغات نجده يخلّف وراءه عدداً آخراً منها أو يتجنب منطَقتها وتبريرها على الأقل. 

بالمقابل يحاول النص ربط هذا الفيلم بالأفلام الثلاثة التي سبقته - كالعادة - من خلال ظهور خاطف لباتريك ستيوارت في دور شارل زافييه الذي لعبه في الأفلام الثلاثة ، أو من خلال سرد قصة إبن العقيد سترايكر الذي قتل والدته. مع ذلك ، يبقى العقيد سترايكر الذي قُدّم في الجزء الثاني من السلسلة أكثر قوةً و عمقاً وذو دوافع وأهداف أكثر وضوحاً و منطقية من ذلك الذي نشاهده هنا بالرغم من إمكانية التعامل مع الشخصية بشكلٍ أفضل بكثير لو تم التكثيف على عقدة الدكتور فرانكنشتاين الذي يريد صناعة الوحش الواضحة والبديهية في العقيد سترايكر. أمرٌ يؤثر سلباً على الأداء الجيد الذي يقدمه داني هيوستن للشخصية وتدفع المشاهد لمقارنته مع برايان كوكس الذي لعبها في X2 و هي مقارنةٌ يخسرها هيوستن وتُضعِف – علاوةً على ذلك – من قوة الخصم وأهميته المحورية في أفلام السوبر هيروز . 

بالإضافة لذلك، تفتقر أفلام البدايات في سلاسل السوبر هيروز عموماً للجاذبية مقارنةً بالأفلام التي تقدم إستكمالاً لأحداث جزءٍ سبقها. لذلك تبقى المهمة العسيرة الملقاة على كتاب النص ومخرجه هي تقديم ما يمكن أن يكون جذاباً في قصةٍ تعود للبدايات وهو ما لم يتحقق لغايفن هود هنا. يقصُر هذا الفيلم بداية وولفرين على عملية إنتقام شخصي تجاه خصمه ، و عندما تطرّق لمفاتيح الخير والبطولة إكتفى بالتطرق لها بطريقةٍ هشة تغلب عليها السذاجة. ما يقتل أفلام البدايات غالباً هو حصر بطولة السوبر هيرو في الأمور الشخصية ، أمرٌ كان واعياً له بشكلٍ جيد كريستوفر نولان عندما قدم Batman Begins قبل أربعة أعوام ، وآمل أن تعيه مارفل في مغامرتها القادمة في Magento عن قصة البدايات لإريك لانشر وشارل زافييه. الفيلم في مجمله لا يستطيع أن يجاري الإهتمام الكافي بدواخل وولفرين الذي يفترض أنه جذبنا في فيلمي برايان سنغر على الرغم من أن فرصته هنا تبدو أكبر - مع وجود وولفرين كشخصيةٍ محور - ويكتفي بوضع حبكته ضمن إطار جمل التهديد والوعيد والحزن لفقدان من نحب وتحريك خطوط الحبكة نحو الأمام بطريقةٍ إستهلاكية، دون سبرٍ حقيقي لإنسانية وولفرين المغلفة. حتى عندما تبدأ ملامح مؤامرة سترايكر ضده بمساعدة حبيبته كايلا بالإتضاح ، يبقى موضوع (الحب الذي يمكن أن يوقع بأقوى الرجال) غاية في المباشرة والخفة وأسرع من أن نهتم به. يُصرّ كتاب النص وغايفن هود على التمسك ببعض الكليشات المستهلكة والمستنزفة كثيراً كقصة القمر الوحيد والحبيبة التي تموت بعدها ، أو قصة العائلة اللطيفة التي تساعده قبل أن تقتل بسببه ، أو صرخة المجروح التي تصعد نحو السماء في زوم آوت ، أو البطل المدمر الذي يسير بثقة وصرامة خارج إطار الصورة بينما ينفجر شيءٌ وراءه ! 

في ساعتي فيلم X-Men Origins: Wolverine بعضٌ من المتعة وربما بعض الجاذبية الآتية من هيو جاكمان ، والكثير من الخفة. ربما تتقبله في مواضع ما ، ربما تُثار به في مشاهد بعينها ، لكنك غالباً لن تتذكر منه الكثير بمجرد إنتهاءه . 

التقييم من 10 : 4


هناك تعليقان (2):

  1. أستاذي العذري
    منذ توقف منتديات سينماك عن العمل ونحن متعطشون لكتاباتك الجميلة وأسلوبك المتميز . أشعر بالسعادة حقا أني اكتشفت مدونتك
    كيف حالك يا أستاذنا؟

    كانت لدي دائما فكرة سلبية عن X-men نابعة من مشاهدتي لجزء بسيط من الجزء الثاني من السلسلة ، وهي ما جعلتني أعزف تماما عن مشاهدة هذه السلسلة . أقنعني أحد أصدقائي بدخول هذا الفيلم وكانت النتيجة ممتازة . أعتقد أن جانب الإمتاع البصري كان قويا في الفيلم لدرجة أني لم ألاحظ أي من عيوب السيناريو إلا بعد قرائتي لمراجعتك ، فقط "الكليشات المستهلكة والمستنزفة" هي ما جعلني أستاء قليلا أثناء المشاهدة
    باختصار ... الفيلم برغم عيوبه أمتعني وغير وجهة نظري في السلسلة بأكملها


    شكرا جزيلا ، ولا حرمنا الله من قلمك

    ردحذف
  2. ألف ألف شكر عزيزي ..

    أسعد كثيراً بالتواصل مع أعضاء سينماك ..

    و أتمنى أن تجد ما يسرك هنا ..

    تحياتي الحارة و سامحنى عن التأخر في الرد ..

    ردحذف

free counters