كتب : عماد العذري
بأصوات : كيلي مكدونالد ، بيل كونولي
، إيما تومسن
إخراج : مارك أندروز ، بريندا
تشابمان
ربما يكون Brave أكثر عملٍ من أعمال بيكسار تم
الحديث عنه بعيداً عن قيمته الفنية ، منذ منتصف العام الماضي تحدثوا كثيراً عن أول
(بطلةٍ) من بطلات بيكسار على اعتبار أنها المرة الأولى التي تقود فيها شخصيةٌ أنثى
عملاً من أعمال شركة الرسوميات العملاقة ، تحدّثوا عن أول عملٍ لبيكسار تجري
أحداثه في حقبةٍ تاريخية ، و مع إطلاق الفيلم أيضاً جاء الحديث عن أول مزاوجةٍ بين
خيال ديزني و فن بيكسار ، و عن أول أميرةٍ تضيفها بيكسار إلى قائمة
أميرات ديزني ، و عن القيم التحررية لبطلته ، و عن أمور كثيرةٍ فريدةٍ في
عمل بيكسار الجديد ، إلا أن أياً من هذه الفرائد لم يضمن للفيلم
مكانه ككلاسيكية جديدةٍ تضيفها الشركة إلى أعمالها الخالدة .
العمل السينمائي
الثالث عشر لبيكسار يحكي قصة ميريدا ، الأميرة الاسكتلندية في فترةٍ ما من القرن الثاني أو
الثالث عشر ، و التي نشأت كرامية قوسٍ ماهرة منذ أن أهداها والدها قوس رماية في
أحد أعياد ميلادها ، بالمقابل والدتها الملكة لا تراها كذلك ، هي تريد أن تضع
ابنتها على طريق الأنوثة التي سلكته من قبل لتختار زوجاً لها بين الخاطبين الثلاثة
الذين جاؤوها من القبائل الثلاثة الأخرى التي تنطوي تحت الحلف الذي يقوده والدها
وقبيلته ، ميريدا لا تريد أن تسلك هذا الطريق و تريد أن تتمرد على ذلك ،
لكن تمرّدها قد يوقع القبائل الاربع في الحرب مجدداً ، الأمر الذي لم تستطع رعونة
والدتها و تسلطها من اقناعها بخطورته .
بيكسار أرادت
ربما في هذا الفيلم الذي عملت عليه لقرابة ست سنوات أن تقدّم شيئاً فريداً من نوعه
قياساً للمسيرة القصيرة و الفريدة التي حققتها ، و أن تسند البطولة لشخصيةٍ أنثى
هو أمرٌ ملفت ، لكن أن تجعلها أميرة و في قصةٍ أقرب إلى قصص ديزني و
أساطيرها عن الأميرات و خطط الساحرات هو نوعٌ من الإنسلاخ عن هوية بيكسار
الفريدة التي اعتادت أن تصنع أساطيرها الخاصة بنفسها ، أساطير تحمل أسماء (وودي) و (نيمو) و (فليك) و (وول إي) ، هذا
الإنسلاخ برأيي كان بحاجة لإنجاز شيء فريدٍ جداً على مستوى البعد القصصي و شيء فريدٍ
جداً على مستوى البعد البصري لإقناعنا بالسبب الذي جعل بيكسار تفعل ذلك ،
لكنني لا أعتقد أنها استطاعت أن تحقق شيئاً مميزاً أو تقدم عملاً جديداً على أيٍ
من الصعيدين .
بالتأكيد لو ألقيت
نظرةً مستقبليةً خاطفةً على العمل فسيراودك الشعور حتماً بأن هذا الفيلم هو عمل
رسومي ثلاثي الأبعاد من أعمال ديزني ، على غرار Tangled مثلاً ، بالنظر طبعاً
لحبكته و شخوصه ، حيث البطل الشجاع ، و الحيوان الرفيق ، و السحرة ، و المغامرة ،
أمورٌ لا تخطئها في أعمال الشركة العملاقة ، لكن بالمقابل إذا ما ألقيت ذات النظرة
في محاولةٍ لتقييم العمل بناءاً على ثيمه البصري فسيراودك شعورٌ مختلف بأن هذا
الفيلم هو عملٌ رسوميٌ ثلاثي الأبعاد من أعمال دريم ووركس ، الثيم
البصري و تصميم الشخصيات في العمل ينضح ببصرية دريم ووركس المميزة ،
لدرجةٍ لن تستطيع أن تراوغ فيها صور How To Train Your
Dargon التي تناولت الحقبة و البيئة ذاتها قبل عامين .
باكراً جداً نلتقي ميريدا و
نتعرف عليها دون أن نغوص كثيراً في شخصيتها ، أكثر ما يميّز ميريدا عن
بقية أميرات ديزني (إن جاز التعبير) أنها تدرك ذاتها من البداية و لا تبحث عنها في
فارسٍ أو أميرٍ أو قصة حب ، جزئيةٌ تبدو مهمةً في تجسيد نظرة بيكسار و
لمستها في مثل هذه النوعية من القصص ، المشكلة تأتي بعد ذلك ، مع ميريدا لا نشعر
بأي دافع حقيقيٍ ملموسٍ و مبرر يجعلنا نقتنع على الأقل بما تريده أو بما تسعى إليه
من خلال رفضها و تمردها ، يعجز النص عن رسم الصورة البديلة التي تقنعنا على الاقل
بالمبرر الذي يجعل ميريدا تضرب بقرارات أهلها عرض الحائط بالرغم من خطورة العواقب
التي ستترتب عليها على الرغم من أنه يخلق العامل المحرّك لذلك في اصرار الأم على
رأيها ، و مع ان العمل يتبنى فكرةً جميلة عن الشجاعة التي يجب أن نكتسبها في البحث
عن أقدارنا ، إلا أن تصرفات ميريدا في الواقع تبدو بعيدةً كل البعد عن مفهوم الشجاعة ، هي
تأخذ طابع التمرّد أو الشقاوة أو الرعونة أكثر من أن تكتسب مفهوم الشجاعة ، أمرٌ
من الصعب أن تتجاهله أو تقفز على وجوده .
في جميع أفلام بيكسار هناك (قصة)
و هناك (مغامرة) ، ربما هي المرة الأولى التي تقدّم فيها بيكسار (العقدة) ، أو
المعضلة الأخلاقية المبنية على أسس الشخصيات ذاتها و ليس على الوضع الذي يحيط بها
، الملكة تريد لإبنتها أن تتزوج ، و الإبنة تريد لأمها أن تتغير ، و عندما يحدث ما
تتمناه الإبنة ، يحدث نوعٌ من الإنقسام الأخلاقي في نفسية ميريدا التي
تمنّت الأمر لكنها لم تكن تتمناه على هذا النحو ، و الجميل هنا أن المشاهد يشعر
بالعقدة جيداً و هي تتشكل – على الرغم من أن صانعي الفيلم يستهلكونها لاحقاً في
مشاهد متكررة لعلاقةٍ جميلة تتشكلة بين ميريدا و الدب – و هو أمرٌ كان برأيي ليكون عظيماً لو بنيت
شخصية ميريدا أو قدمت كما يجب ، لطالما تعرّضت بيكسار للمعضلات
الأخلاقية كمنفذٍ نحو تأسيس مغامراتها ، أمرٌ لمسناه في Bug’s Life و Finding Nemo و The Incredibles لكنها المرّة الأولى التي تقدمها كجزءٍ نابعٍ من الشخصية ذاتها تنقسم
حوله بعنف و نشعر نحن بإنقسامها ، ربما لأن بيكسار عوّدتنا في
سائر أفلامها على مشاهدة الأخيار و الأشرار بصورتهم المحضة الصريحة التي تتناسب مع
عملٍ رسومي ، و قد تكون هذه المرة الأولى التي تقدّم فيها عوضاً عن ذلك المخطئين و المصيبين ،
الأميرة التي نتعاطف معها ثم نكتشف خطأها ، و الملكة التي نراها مخطئةً ثم نتعاطف
معها لاحقاً ، و هي جزئية أقدرها فعلاً في هذا الفيلم .
لكن مشكلة الفيلم في
هذا الخصوص هو في عجزه عن خلق الإهتمام الكافي لدى المشاهد بقيمة المغامرة ، يبدو
الفيلم إلى حدٍ بعيد أقل افلام بيكسار إهتماماً بالمغامرة ، كما هو أيضاً أقل افلام بيكسار
إهتماماً بالتفاصيل ، ركنان مهمان لم يغنهما العمل إطلاقاً على الرغم من كونهما
ربما كانا الأساس دائماً في خلق الإهتمام الكافي تجاه شخصيات بيكسار ، أنت
تحتاج كثيراً للتفاصيل لتتفهم دوافع الشخصية ، و بحاجة للمغامرة لتقدير قيمة تلك
التفاصيل و المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الشخصية في سبيل تلك الدوافع ، و نتيجة
لذلك تاه الفيلم في اعتقادي بشكلٍ ملحوظ بين الصغار كشريحةٍ تخاطبهم الصورة
المرسومة و الكبار كشريحةٍ لطالما خاطبتها بيسكار ، يبدو واحداً من أقل أفلام بيكسار قدرةً على خلق
التوازن بين الشريحتين ، مع تقدم الأحداث تفقد الشريحتين اهتمامها بالحبكة ، تفقد
ولعها بمعرفة المزيد ، و ستشعر أن حبكة The
Princess and The Frog أو Beauty and The Beast ستملأ الشاشة في الختام .
بالمجمل فيلم Brave فيلمٌ جيدٌ وكفى ، و هي
عبارةٌ لم نعتد كثيراً أن نطلقها على أعمال بيكسار ، تقديمه لثيم
الأسرة و الروابط العائلية الأزلية التي ولدت معنا و بقيت معنا حتى الختام كان
أمراً يستحق التقدير على اعتبار أن هذا الثيم لم يسبق أن تطرقت له فانتازيات ديزني عن
الأميرات و الساحرات و الفرسان ، لكن عدم قدرته على تأسيس أبعادٍ حقيقيةٍ لشخصية
بطلته ذات الشعر الأحمر بالرغم من براعته في تصميمها رسومياً يبقى أمراً غير
متوقعٍ من بيكسار تحديداً ، من الجميل أن تهدي بيكسار هذا الفيلم
لروح احد أهم روادها العظام ستيف جوبز على اعتبار كونه أول أفلامها بعد وفاته ، لكن كان من
الأجمل لو كانت هذه التحية من خلال واحدةٍ من كلاسيكياتها الخالدة التي عودّتنا عليها على مدى عقدٍ و نصف .
التقييم من 10 : 6
0 تعليقات:
إرسال تعليق