•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الخميس، 30 أبريل 2009

Watchmen

كتب : عماد العذري

بطولة : جيفري دين مورغان , بيلي كرودوب , جاك إيرل هيلي , ماثيو غود , باتريك ويلسون , مالن آكرمان 
إخراج : زاك سنايدر 

يسقط إدوارد بليك من نافذة منزله في إحدى الليالي المعتمة ، و أنف رورشاك لن يهدأ قبل أن يفهم ماجرى. و عندما يصل إلى حقيقة أن إدوارد بليك ماهو إلا زميله السوبر هيرو (الكوميدي)، تقفز ملامح المؤامرة إلى ذهنه مباشرةً. بقية زملاءه لا يصدقونه. لكن عندما يتهم الدكتور مانهاتن بإصابة زملاءه بالسرطان فينفي نفسه إلى المريخ ، ويتعرض أوزماندياس لمحاولة إغتيال , وتلفق تهمةٌ قتل لرورشاك ويسجن ، عندها فقط يقتنع السوبر هيروز بأن هناك من يريد تفكيك مجتمعهم الصغير و تجريد المدينة من حراسها الأوفياء. لكن المؤامرة لم تكن إعتيادية ، كانت أبعد من ذلك. صراع حقيقي مبطن بين الماكيافيللية و الأنتي ماكيافيللية في هذه القصص المصورة الأكثر مديحاً عبر العصور.

ببساطة هذا واحد من الأفلام التي يمكن أن ينقسم عليها المشاهدون ، سواءً أولئك الذين قرأوا السلسلة أو أولئك الذين إكتفوا بمشاهدة الفيلم فقط. كلا المجموعتين ستجد فيها من يمتدح العمل السينمائي و من يذمه و ستجد فيها أيضاً من يعتبره عملاً جيداً يحمل أوجه قصور ، و أجد نفسي من الفئة الأخيرة. 

زاك سنايدر كان أفضل من توقعاتي عموماً ، وإن لم يستطع ترميم مشاكل هذا السيناريو (الذي يعاني من مشاكل إقتباسية واضحة). قد يكون من المنصف القول أن النص وقع فريسة سلسلةٍ ذائعة الصيت نشرت في إثني عشراً عدداً ، و كان بحاجة للمائة و ستين دقيقة التي إستهلكها العمل السينمائي ليقدمه كما يجب. مع ذلك، كان بوسع النص أن يكثف و يركز إهتمامه على تغذية خطوطٍ معينةٍ في الحكاية تدعم وحدته و المحور الذي يحاول من خلاله جمع شخصياته في الختام، لكن هذا لا يحدث. ليس من العسير ملاحظة أن كتاب النص عملوا على هذا السيناريو واضعين في إعتبارهم قراء السلسلة ، وأنا منهم ، مما جعل النتيجة التي يخلص اليها هذا العمل السينمائي مشكلة ثنائية القطب : أولاً تخييب آمال عشاق السلسلة و مهووسيها ، و ثانياً إصابة من لم يقرأها بالحيرة و التشويش في الكثير من مفاصل الحكاية و محاورها المهمة ، وهي مشكلةٌ واسعة الانتشار في الاقتباسات الأدبية للسينما. مع هذا النص سألت نفسي : هل كان الفيلم بحاجة حقيقية إلى مخرج من طينة الأسماء الثلاثة التي ارتبطت اسمائهم بإخراجه : تيري غيليام و دارين أرونوفسكي و بول غرينغراس ؟ لو سلمنا بقدرة كل مخرج من هؤلاء على تقديم الإضافة لعمل مشبع بالأحداث والتضمينات مثل هذه السلسلة ، فإن مقدار ما سيضيفونه على نص كهذا سيكون محدوداً. زاك سنايدر (على خلاف ما فعله في 300) يجاهد بقوةٍ هنا ليمنح عمله العمق الحقيقي للسلسلة الأم. سنايدر ، والذي من الواضح أنه واحدٌ من عشاق السلسلة ، يحاول في الكثير من مفاصل فيلمه منح مشاهده (القارىء) ذات الشعور الذي أحس به عندما قرأها. يحاول الابتعاد عن جعل الثيم البصري للقصص المصورة هدفه الأول ، و يحاول أن يمنح لكل جزئية يتناولها ذات المذاق الذي منحها الإعجاب و المديح في القصص المصورة. و بغض النظر عن كون الرجل ينجح أو يفشل ، فليس من الصعوبة ملاحظة الإخلاص الواضح من سنايدر لروح الأصل الأدبي في عمله هذا. 

مشكلة الفيلم الرئيسية هي مشكلة نص. فالسلسلة مشبعةٌ جداً و هي تحتاج للكثير للتفوق على اشباعها في عملٍ سينمائي. يكتفي النص فقط بالسرد ولا ينجح في الغوص في العمق. لا يتيح النص الوقت الكافي للمشاهد لتشكيل وجهات نظر أو إنطباعات مكتملة. كل ما سنشاهده في هذا الفيلم هو مجرد إنطباعات مشوشة ما أن تبدأ بالتشكل حتى تبتر ، أو أحياناً لا تتشكل أساساً كما يحدث مع شخصيتي دان درايبرغ (نايت أول) أو دكتور مانهاتن. افتقار النص لسلاسة و بساطة السرد من جهة ووقوفه على سطح معظم الشخصيات من جهةٍ أخرى خنق مساحات التعمق في ماضي الشخصيات مما افقده العمل السينمائي القيمة الحقيقية التي ميّزت العمل الأدبي عن غيره من سلاسل الكوميكس. يُبقي الفيلم مشاهده (الذي لم يقرأ) في حيرة عن ماهية الفلاشباكات التي يشاهدها ، ببساطة لأن هذه الفلاشباكات تعرض أموراً تُحكى و لا تختزل. ولو سلمنا بأن النص يعمد لهذه الفلاشباكات فقط كي يمهد لشخصياته ، فإن التمهيد لهذه الشخصيات بهذه الطريقة التي شاهدناها لا يكون كافياً (بإستثناء شخصية رورشاك التي تسير على ذات الخط الذي سارت عليه في القصص المصورة). و بالتالي يجعل النص من الصعوبة بمكان الإهتمام ببقية الشخصيات ، خصوصاً دكتور مانهاتن الذي يبقى طوال العمل لغزاً حقيقياً مفرط الغموض ، ويُبقي المرحلة الفاصلة بين تحول جون أوسترمان إلى دكتور مانهاتن - والردة العنيفة التي تصيبه تجاه البشر و الإنقسام الواضح الذي يعانيه مع إصراره الحفاظ على جزء من بشريته في هيئة و بنية و قدرات غير بشرية بالمرة - مرحلةً مقتولة بعنف. أمرٌ يجعل من العصي على من لم يقرأ العمل المصور (وهم الغالبية) فهم ما يحدث لهذا الرجل، و يجعل - بالمقابل - من العصي أيضاً على من قرأ السلسلة التجاوب مع الشخصية الأعمق في السلسلة التي أحبوها ، الشخصية التي تحاول الحفاظ على إنسانيتها في مجتمع يفقد إنسانيته ، قبل أن تدرك فعلاً بأن ما تقدمه للإنسانية لا يتناسب مع كون الإنسان ما زال (إنساناً) فتبدأ بالتجرد من إنسانيتها مع تقدم الأحداث ، مبقيةً إنسانيتها محصورةً في قوقعتها الداخلية (و حادثة النفي إلى المريخ هي جزء من ذلك ، حيث الشخصية ما زالت – بدافع من إنسانيتها – قادرةً على محاسبة نفسها و معاقبتها) ، قبل أن تعود لتنقذ الإنسانية و تهتم لها ولصورتها لدى البشر. شخصية تغار على سمعتها و على كونها أتهمت زوراً بالتسبب بمقتل الملايين ، فتعود لتوضح وجهة نظرها و تفضح المتسبب بذلك. عمق شخصية دكتور مانهاتن لم يجد له ما يغذيه في هذا النص ، و لا أبالغ (كواحدٍ من عشاق الأصل الأدبي) إذا ما قلت بأن القصور الكبير الذي عاناه الفيلم في تقديم الدكتور مانهاتن هو السبب الرئيسي في الإستقبال الفاتر الذي لقيه من عشاق السلسلة و من نقاد السينما على السواء .

الأمر ذاته يتكرر مع بقية الشخصيات. الشخصيات في الفيلم (إذا ما إستثنينا رورشاك) لا تقدّم ، وإنما تُعرَض فحسب. الأمر الذي يجعل المشاهد بحاجةٍ للكثير لفهم ما يجري أمامه. يفتقر النص للترابط التسلسلي بين الشخصيات الست : كيف تبدو شخصية نايت أول فارغةً و عديمة الجدوى ، وكيف تبدو شخصية لوري جويسباتشيك تائهة و غير مقنعة (مع أداءٍ رديء من مالن آكرمان) خصوصاً في تعاملها مع شخصية الدكتور مانهاتن ، و على الأخص في مرحلة المريخ. بالمقابل تبدو شخصية أوزماندياس بعيدة تماماً عن كل ما يجري و ذات هاجسٍ غامضٍ حتى بعد الكشف عنه. كل هذا الضياع – شئنا أم أبينا - يوازنه شيء واحد : رورشاك ! رورشاك (بفعل أداء ممتاز من المنبعث جاك إيرل هيلي) هو روح هذا العمل. في كل مرحلة يتوه فيها النص يظهر رورشاك ليعيد للعمل توازنه. و ربما لو قدم الفيلم كسيرة ذاتية لرورشاك لبدى أعمق و أهم. رورشاك كما هي القصص المصورة يحافظ على روحه الحقيقية في العمل السينمائي. شخصية (لا رمادية) ، لديها الأبيض أبيض ، و الأسود أسود ، كما هي بقع الحبر على قناعه. شخصية لا تجامل و لا تتزلف ، والنص لا يتعامل معها بطريقة (مسبق الصنع) التي استخدمها مع الشخصيات الأخرى. يعود إلى جذورها حيث طفولة ديكنزية قضاها في ميتم بعدما تخلت عنه والدته. عاش متسكعاً في الشوارع حيث إكتسب قوته و صلابته و دمويته أيضاً ، قبل أن يحدث الإرتداد العنيف في شخصيته عقب مقتل فتاة صغيرة عجز عن الوصول إليها و إنقاذها. ليلتها قتل مختطفها بعنف و قتل معه أيضاً شخصيته الحقيقية : وولتر كوفاتش ، وعاش حياته المتبقية مرتدياً قناعه ذو بقع الحبر المتحركة بإستمرار. ورغم تخلي جميع السوبر هيروز عن أقنعتهم عقب قرار منعهم من العمل ، عاش الرجل مقتنعاً بأن شخصيته الحقيقية هي رورشاك و أن تنكره هو وولتر كوفاتش. مشاهد رورشاك جميعها هنا – كما هو الأصل الأدبي – جذابة و باعثة على الإهتمام ، خصوصاً مع المونولجات التي يضفي عليها صوت إيرل هيلي الكثير. 

و رغم ضياع شخصياته إلا أن العمل لا يبدو رديئاً أو سيئاً. الإيقاع الخارجي للفيلم قادر على جعل المشاهد – مستفيداً بالطبع من جاذبية وعظمة الأصل الأدبي – منجذباً للحدث طوال 160 دقيقة ، و ربما قادراً على ذلك لساعةٍ أخرى كانت ربما لتغني شخصياته حتى مع تعذرها لأسبابٍ انتاجية. الانطباع المتولد عن أداء سنايدر الاخراجي يأتي باكراً جداً من خلال المشهد الافتتاحي الذي يحاكي بصرياً القصص المصورة مانحاً المُشاهد بمجرد حدوثه – حتى و إن لم يقرأ – الإحساس بأن ما يحدث مهم و مهم جداً. البداية التي نلتقي بها بشخصيات السوبر هيروز من خلال تترات إفتتاحية تستعرض أمجادهم على صوت بوب ديلان ترمم بعضاً من مشاكل الماضي المبتور للشخصياتو رغم كونها إفتتاحية تكثف صورة أميركا الثمانينيات في هذا الواقع البديل إلا أنها تبقى أكبر بكثير من أن يتم إستيعابها لمن لم يقرأ السلسلة ، و بمجرد أن تنتهي هذه المرحلة نكون على الأقل قد شكلنا صورة مبدئية للعالم الذي تعيش فيه الشخصيات، وهي صورة تتعزز بمونولوج مهم عن قذارة المدينة على لسان رورشاك يستمد غناه – كما الحوارات في الفيلم – من غنى العمل الأدبي و حواراته. مع ذلك، لا يكون ذلك كافياً لتقديم شخصية الدكتور مانهاتن التي لا تشيخ ، والتي عايشت جيلين من السوبر هيروز. نبقى في هذه المرحلة قليلي المعرفة بجميع السوبر هيروز و ليس بدكتور مانهاتن وحده ، مما يخفف - ربما - من قصور شخصية مانهاتن في البدايات قبل ان تتسع الفجوة المعرفية لدى المشاهد لاحقاً.  

من إيجابيات الفيلم المهمة هي الحصة التي تحظى بها شخصية الكوميدي ، الشخصية التي تدور أحداث الفيلم كلها بسبب مقتلها ، وهي شخصيةٌ جيدة الحضور في الفيلم و إن كانت أقل جودة من القصص المصورة. الكوميدي هو الصورة المثالية للسوبر هيرو ، المحارب القديم الذي قضى جل عمره في سبيل مجد بلاده و رفعتها. يعرض الفيلم الشخصية من خلال وجهات نظر رفاقه السوبر هيروز خلال جنازته. يستذكره الدكتور مانهاتن بقتاله معه في فيتنام و كيف بدأ الدكتور مانهاتن يومها التخلي عن الناس عندما عجز عن ردع الكوميدي عن قتل إمرأةٍ فيتنامية تحمل جنينه. و يستذكره أوزماندياس برعونته و همجيته و كيف لم يكن الرجل بحاجة لوقتٍ طويل لإتخاذ قراراته و ردود فعله ، الأمر الذي صنع له طوال مسيرته الكثير من الأعداء و الخصوم. و يستذكره نايت أول بتهوره و كيف فرق الحشود الغاضبة ذات يوم بالعنف و القوة. مبادئه التي يتبناها في سبيل رفعة أميركا. يُسأل الكوميدي (ماذا حدث للحلم الأمريكي ؟) ، فيرد (ماذا حدث له ؟ لقد أصبح واقعاً ، أنت تنظر إليه). صورة بديلة لأميركا لا تهزم ، أميركا كهذه تسير نحو الدمار الداخلي بسبب هاجس القوة الذي يسيِّرها ، و الذي يمنع مواطنيها من أن يعيشوا بسلام و راحة بال. الكوميدي هو الاستعارة الواضحة في الفيلم لأميركا القوة ، أميركا الواقع البديل التي إنتصرت في حرب فيتنام وتمتلك الآن الدكتور مانهاتن كأحد أسلحتها الفتاكة! 

ما أقدره فعلاً في هذا العمل هو القالب البصري الذي يعرض سنايدر شخصياته و أحداثه من خلاله. ميزة هذا الفيلم عن فيلمه السابق 300 أنه يقدم القالب البصري للأصل الأدبي كجزء مكمل و مساند للنص وليس كجزء أساسي من النص ، و مع ذلك تملكتني الصورة هنا أكثر من 300 . حتى مشاهد الأكشن و العنف في الفيلم على قلتها – ربما أقل من أي سلسلة سوبر هيرو أخرى – تبدو ممتازة و متماسكة جداً ، خدمها كثيراً توظيف الـ Slow-Motion الذي يضيف ويُغني روح الأصل الأدبي – الذي لا يتيح إمكانيات كهذه – و لا ينتقص منه. قلة مشاهد الأكشن هنا يبدو سلاحاً ذو حدين : أعطى فسحة تأملية و فرصة أكبر لعقل المشاهد للتعامل مع الشخصيات مخففاً من مشاكلها الكثيرة ، لكنه بالمقابل كاد يفقد هذه الشخصيات المتعة. جزئية وازنها بطريقة أفضل روبرت رودريغز في Sin City

في الذروة يتجلى امتياز العمل الاخراجي لزاك سنايدر من خلال قدرته على الحفاظ على ايقاع الصراع الجوهري بين الماكيافيللية و الأنتي ماكيافيللية الذي يقسم السوبر هيروز الخمسة في النهاية وهو ايقاع يحاكي الى حدٍ بعيد روح الأصل الأدبي ، و إن بدت هذه المرحلة من الحكاية إندفاعية و مفاجئة بسبب سوء التمهيد لها و سوء بناء الشخصيات في الفيلم. فجأة و دون سابق إنذار أحسسنا بدافع و وجهة نظر كل شخصية من الشخصيات بعد أن فقدت الشخصيات غناها الداخلي باكراً في الفيلم ! هذه المرحلة تمثل برأيي إعادة إكتشاف – متأخر للأسف - لسحر هذه الشخصيات وللسبب الذي يجذبنا نحوها و يجعلنا نحبها : لدينا من كل واحدٍ منها شيء ! كوكتيل إنساني يبقينا معلقين به ومهتمين له. إنقسام الآراء بين الشخصيات في الذروة لا تنبع أهميته من إقتناع أصحابها بها ، بل من منطقية إقتناعنا نحن أيضاً بحدوث هذا الإنقسام ، و منطقية ما يفعله كل منهم بالنسبة للخط الذي ينهجه في حياته. كل شخصية منهم تبدو مقتنعةً بما فعلته ، و مقنعةً فيما تفعله. أوزماندياس يرى أن الغاية تبرر الوسيلة. إتخذ قراراً لم يشاركه فيه أحد بالقضاء على الملايين من أجل إنقاذ المليارات من حربٍ عالمية ثالثة ستكون نوويةً هذه المرة. قرار سيلغي وجود الدكتور مانهاتن ويحيله إلى عدوٍ مشترك لقطبي الحرب الباردة و يمنح كوكب الأرض السلام الذي يستحقه. و دكتور مانهاتن يعارض ما حدث على إعتباره مؤامرة ، ثم يقتنع به بدافعٍ من بقايا الإنسانية التي يحملها ، و من رغبته الذاتية التخلي عن كل هذه الحياة العفنة التي يعيشها. دكتور مانهاتن يواصل نفي نفسه و الإنسحاب من حياة الكوكب ، ليس دون مقابل كما فعل في المرة الماضية ، لكن بمقابل عظيم هذه المرة ، هو السلام العالمي. رورشاك اللارمادي يرفض الماكيافيللية ليس بدافع إنساني محض بقدر ماهو عشقه للحقيقة. يرفض أن يتحكم بضعة بشر بمصير الملايين حتى لو كان الهدف عظيماً و سامياً. رورشاك يبقى رورشاك حتى النهاية و يموت في سبيل ذلك. نايت أول ينقم على أوزماندياس ليس أيضاً بدافعٍ إنساني فقط ، بل بسبب الإسترخاص الذي تعرض له إثنان من السوبر هيروز و الملايين من البشر وراءهم من قبل أوزماندياس الذي أرسل زميليه الكوميدي و رورشاك إلى حتفيهما. بالمقابل، تتخلى لوري عن دكتور مانهاتن و تنقم على أوزماندياس بسبب الكذبة الكبيرة التي عاشتها لكنها تجد طريقها مع نايت أول متحررةً من عبودية مانهاتن و هي التي إعتبرت نفسها أعقد لغزٍ واجهه العالم العبقري الخارق في حياته ! 

أدائياً قد يكون من العبث مقارنة أي أداءٍ في هذا الفيلم بما يفعله جاك إيرل هيلي. الممثل الذي رشح للأوسكار قبل ثلاثة أعوام عن Little Children و سنراه قريباً مع مارتن سكورسيزي في Shutter Island يصنع رورشاك حقيقي و مقنع و جذاب رغم كونه يقدم شخصية ترتدي قناعاً في جل أحداث الفيلم. جاك إيرل هيلي بنظراته و تمرده و صوته يسرق كل مشاهده و يجعل ظهوره من حين لآخر منتظراً لدى المشاهد. و رغم القصور الواضح الذي عانته شخصية أوزماندياس إلا أن ماثيو غود جاهد كثيراً كي يرتقي بها إلى العمق المطلوب وإن ذهب أداؤه ضحية لقصور النص الذي لم يسبر هذه الشخصية كما يجب. بالمقابل يبدو جيفري دين مورغان على صغر دوره و كأنما ينتزع شخصية الكوميدي من الورق و يقذف بها في وجه المشاهد في أداءٍ حقيقي نابضٍ بالحيوية. على خلافهم ، لم يكن النص و لا أداء باتريك ويلسون كافيين لمنح أي قيمة أو خصوصية لشخصية نايت أول ، كما أن بيلي كرودوب لم يُمنح المساحة الكافية لترميم البناء المتهتك الذي وضع لأهم شخصيات السلسلة و أكثرها تعقيداً ، علاوةً على التوظيف السيء لتقنيات الـ CGI التي فشلت في تقديم دكتور مانهاتن كما يُنتظر بصورةٍ استغربها مع كم التطور الذي شهدته المؤثرات الخاصة، الأمر الذي جعلها تبدو شخصية خيالية في عالم يفترض أنها موجودة فيه في الواقع. أسوأ من كل ذلك جاء أداء مالن آكرمان الرديء ليقضي على أي شيء جيد – إن وجد – في شخصية لوري جويسباتشيك. أداء يفتقر لأي لمحة إنسانية من شخصية سوبر هيرو وجه إختلافها الاساسي مع حبيبها الدكتور مانهاتن هو تجرد التدريجي من إنسانيته ! شخصية تدافع عن البشر أصلاً بدافعٍ من إنسانية ، تقدمها أكيرمان بروبوتية صارخة ! 

ربما كان من الصعوبة بمكان تقديم سلسلة الكوميكس الأكثر مديحاً عبر العصور في عملٍ سينمائي ناجح يديره مخرج لا يمتلك تاريخاً مثل زاك سنايدر. لكن الأمر على الواقع هو ألطف من ذلك ، و بمجرد أن تنتهي من مشاهدة هذه الساعات الثلاث – التي لا تخلو من متعة – ستجد الكثير من الشيء الجيد بالرغم من البناء السيء. و سواءًا كنت من عشاق السلسلة أو لم تسمع بها من قبل ، فإن مشاهدة الواقع البديل الذي تقدمه ، ومشاهدة رورشاك و الإستماع إلى مونولجاته ، ومشاهدة مشاهد عنف إنفجارية ممتازة على قلتها ، و تأمل الإنقسام الماكيافيللي الذي يصيب السوبر هيروز في الأخير ، سيكون ربما كفيلاً بجعله عملاً جيداً في نظرك .

يقول رورشاك عن حياة السوبر هيروز التي إنقلبت ، و عوضاً عن مطاردة المجرمين ، أصبحوا هم بأنفسهم مطاردين "سمعت مرةً نكتةً تقول : ذهب رجل إلى الطبيب ، يقول بأنه يعاني من الإكتئاب ، الحياة تبدو صعبةً و قاسية ، يقول بأنه يشعر بالتهديد وحده في هذا العالم ، قال له الطبيب بأن العلاج بسيط : هناك مهرجٌ عظيمٌ في المدينة ، إذهب لرؤيته ، ذلك ما تحتاج له ، رجلٌ يمسح دموعك ، فرد الرجل على الطبيب : أنا .. هو ذلك المهرج !!

التقييم من 10 : 7


هناك تعليقان (2):

  1. مراجعة جيدة

    فعلا لم تكن معظم الشخصيات مفهومة بالصورة المطلوبة

    شكرا

    ردحذف
  2. الشكر لك عزيزي خالد

    شرفني تواجدك و ردك ..

    ردحذف

free counters